من دفتر الوطن

كلما كبرنا صغرت أحلامنا!

| عبد الفتاح العوض

محزن من الناحية العاطفية أن يشعر أي إنسان أن أحلامه تضمحل كلما كبر في العمر.

يبدو الأمر من هذه الزاوية «تراجيديا»، ولا يشفع لهذه التراجيديا أنها «واقعية» جداً، فالأكثر إثارة للفرح أن نكبر وتكبر أحلامنا.

لكن الذي حدث مع كثير من البشر أن طرق أحلامهم تضيق شيئاً فشيئاً وأن ما كان في سابق الشباب هي أهداف محددة وواضحة مثل الشمس أصبحت مع الأيام مجرد أوهام مضحكة!!

في هذه المنطقة من العالم ثمة ما يخالف طبائع الحياة، حيث نبدأ كباراً ثم نصغر مع الأيام.

في أحاديث الشباب كانت الأماني قاب قوسين، وتتحقق ليس بيننا وبينها إلا الزمن.. ثم جاء الزمن «فطاف النعاس على ماضيك وارتحلت حدائق العمر بكياً فاهدأ الآن».

تعالوا نذهب أبعد من بشر ضاقت بهم الدنيا.. ولنتحدث عن بلاد ضاق عليها التاريخ وحاصرتها الجغرافيا.

في بدايات عهود الاستقلال في الوطن العربي كان من الطبيعي أن تحلم الشعوب بالازدهار والحرية بل الوحدة العربية أيضاً.. لكن الآن فإن مجرد الحديث عن الوحدة العربية ليس إلا خطاب شعارات يؤلمنا جداً أنه أصبح غير قابل للتداول.

معظم الأحلام العامة الكبرى انتقلت إلى خانة الذكريات الجميلة، وهذا ليس تشاؤماً بقدر ما هو وصف واقع لا يسرّ صديقاً.

النقطة البيضاء هنا أن أحلام الشعوب لا تموت، لأنها تتحول إلى بذور تنبت في وقت ما وتعود من جديد.

لكن الأحلام الشخصية تموت مع موت أصحابها أو حتى قبل أن تعلق نعياتهم بعدة سنوات، حيث يكون الإنسان قد أيقن أن الأحلام توقعات مبالغ بها إن لم تكن مجرد أضغاث زائفة.

الذين أتيح لهم أن يجالسوا شخصيات مهمة امتد بها العمر يعرفون مدى تغير الحال، ويلمسون بقلوبهم قبل عقولهم كيف يعمل الزمن بالبشر.. ببساطة في أغلب الأحيان يقدم لهم إهانات خاصة «ومن نعمره ننكسه في الخلق».

من قائمة الأحلام الكبرى ومن حقل الأحداث المهمة إلى حديث عن تحاليل طبية وسيكون منتهى الطموح أن يقول لك طبيبك «في تحسن» والمصبية عندما لا تشعر أنت بهذا التحسن بل تتمناه.

بقي شيء مهم جداً له علاقة بالندم الذي يرافق البشر كلما كبروا بالعمر، وقتها يتحدثون عن أشياء ندموا لأنهم لم يفعلوها في الكتاب الشهير الأشياء الخمسة التي يندم عليها كبار العمر وهي:

«أتمنى لو امتلكتُ الشجاعة لأكون صادقاً مع نفسي، وأعيش الحياة كما أريد».

«أتمنى لو أنَّني لم أعمل بجِد كبير».

«أتمنى لو امتلكتُ الجرأة لأعبِّر عن مشاعري».

«أتمنى لو أنَّني بقيتُ على تواصل مستمر مع أصدقائي».

«أتمنى لو جعلتُ نفسياً أكثر سعادةً»

ربما القائمة أطول من خمسة أشياء.. لكن لا يموت البشر إلا عندما تشيب أمنياتهم.

أقوال:

– لا يوجد ما يستحق الندم غير ما يضيع من العمر في هذا الندم.

– اليوم هو أول يوم فيما بقي لي من عمر.

– وماذا بعد؟ سِرت في اتجاهك العمر كله، وحين وصلتك انتهى العمر.

– إن العمر خديعةٌ، وإلا فكيف يمكن أن يكون عمري معك عمراً وعمري من دونك عمراً أيضاً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن