جرت العادة في العرف السياسي الأميركي أن يبتعد الرؤساء السابقون عن صخب الحياة السياسية، وأن يعملوا على كتابة مذكراتهم، لكن يبدو أن الرئيس السابق دونالد ترامب كسر هذا العرف كما فعل بالكثير من الأشياء.
الرئيس السابق مازال حاضراً في الحياة السياسية الأميركية بقوة ليس فقط من خلال لجنة الاستماع بشأن أحداث الكونغرس في السادس من كانون الثاني ٢٠٢١ أو من خلال التحقيق الخاص بـ«أف بي آي»، وإنما اسم ترامب يذكر بشكل دائم من الرئيس الحالي، فلا يترك بايدن مناسبة إلا ويقوم فيها بذكر دونالد ترامب.
لقد جعل بايدن من ترامب مادة أساسية في الخطاب الذي ألقاه قبل أيام حول «روح الاتحاد»، وانتقد الرئيس الأميركي في خطابه الرئيس السابق ونهجه الانعزالي المعروف بالترامبية، كما هاجم الجمهوريين الذين يرفعون شعار ترامب «لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى»، وشبههم بالفاشية.
ربما يتساءل سائل هنا لماذا يقوم جو بايدن بذكر خصمه اللدود ترامب كثيراً؟
يرى المحللون أن العلاقة التي تربط بين الرئيسين السابق والحالي علاقة تكامل، فهما يستفيدان من بعضهما بعضاً، ولم يكن ترامب في يوم من الأيام رئيساً سابقاً عادياً فقد استطاع حتى الآن إنهاء خصومه الجمهوريين الذين وقفوا ضده في الكونغرس، وهو مازال يحتل الصدارة في الأخبار والإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، حتى إن البيت الأبيض يستخدم أخبار ترامب لتوجيه اهتمام الشارع عن الإدارة الحالية عندما تسوء الأحوال، فالجميع يعلم أن اسم ترامب لافت ومثير للاهتمام. أما بالنسبة للرئيس بايدن فإن أخبار ترامب وتصرفاته وتصريحاته تساعده على تذكير الشعب الأميركي بأنه البديل الوحيد لترامب وكأنه يقول: أنا لست رئيساً جيداً ولكنني لست ترامب، وهذا يقوي موقعه الترشيحي داخل حزبه الذي مازال غير مقتنع بترشيحه لانتخابات ٢٠٢٤.
أثبت استطلاع للرأي أجرته شبكة «سي بي أس» مؤخراً أن ثلث الناخبين سيصوتون ضد ترامب، كما أن أغلب الناخبين المستقلين سيصوتون ضد ترامب أيضاً، ما يشكل عاملاً جيداً للديمقراطيين عموماً ولبايدن خصوصاً، وقد يقوي موقف الرئيس وحزبه الضعيف في الانتخابات النصفية للكونغرس وفي الانتخابات الرئاسية عام ٢٠٢٤.
أما بالنسبة لدونالد ترامب فهو يستفيد أيضاً من عدائه لجو بايدن لأنه بسبب هذا العداء مازال ترامب يحظى بتأييد نحو ٤٠ بالمئة من ناخبي حزبه ما قد يساعده على التغلب على جو بايدن الضعيف أو نائبه كاميلا هاريس في حال ترشحا للانتخابات القادمة، وقد يفعل دونالد ترامب مع جو بايدن ما فعله مع هيلاري كلينتون في انتخابات ٢٠١٦ ويفاجئ الجميع.
كل ما سبق يدفع الكثير من المحللين للاعتقاد أن ترامب وبايدن يعملان معاً لترشيح ترامب لانتخابات ٢٠٢٤.
يريد الرئيس السابق الترشح للانتخابات لأنه يريد الفوز بولاية ثانية، أما الرئيس الحالي فيريد أن يرشح ترامب نفسه كمرشح ضعيف لأن هذا ما سيضمن له الفوز.
ترامب هو أخطر مرشح للحزب الجمهوري في الانتخابات العامة ما سيجعل الدولة العميقة تعمل على دعم بايدن بكل قوتها كما حصل في الانتخابات السابقة. إن العلاقة التي تجمع كلاً من دونالد ترامب وجو بايدن هي علاقة أمر واقع «de facto» نتاج ما حصل في انتخابات ٢٠٢٠. ويبدو أن كلا الرئيسين لن يحصل على ما يريد دون الآخر.
ربما يكون من المؤسف أن نشاهد الولايات المتحدة وقد وصلت فيها الديمقراطية إلى الاختيار بين السيئ والأقل سوءاً، كما أنه من الغريب لماذا لم تفرز الديمقراطية الأميركية كوادر شابة قادرة على تحقيق احتياجات المجتمع الأميركي كالرئيس جون كينيدي (٤٣ عاماً) والرئيس ثيودور روزفلت (٤٢ عاماً) بدلا من صراع الكهول الذي نشاهده الآن.