من دفتر الوطن

الشعبي والشعبوي

| حسن م. يوسف

في عام 1988 حضرت عرض فرقة المسرح الجديد المصرية، لمسرحية سعد اللـه ونوس «الملك هو الملك»، على خشبة مسرح العباسية، ضمن مهرجان دمشق للفنون المسرحية. إخراج مراد منير بطولة صلاح السعدني وفايزة كمال ومحمد منير.

كنت أراقب سعد اللـه ونوس الجالس بجانبي وأشاهد العرض في آن معاً وقد بدا لي سعد اللـه راضياً طوال العرض، كما نجح النجم صلاح السعدني في جعله يضحك مراراً.

يومها خرج معنا من المسرح ناقد عربي شهير وعندما سأله سعد اللـه عن رأيه بالعرض سمعته يقول له بالحرف الواحد: «أعترف أنني استمتعت بالعرض، مع أنه لم يكن من المفترض بي أن أستمتع».

صحيح أن الظروف لم تسمح لي بسؤال ذلك الناقد الشهير عما كان يقصده بمقولته تلك إلا أن عبارته ظلت دائماً حاضرة في ذاكرتي رغم مضي 44 عاماً عليها، والحق أنها طرحت نفسها علي مراراً كمدخل للتفكير بطبيعة المتعة في العمل الفني، وقد قادني البحث للتوقف عند ثلاث مقولات هي الأقرب لعقلي. الأولى للعبقري ليوناردو دافينشي: «المتعة النبيلة هي المتعة التي نشعر بها بعد أن نفهم شيئاً ما، والثانية للطبيب والمحلل النفسي سيغموند فرويد: «ما من إنسان قادر على رفض المتعة، حتى الديانات عندما تطلب منك الامتناع عن المتعة فإنها تعدك بمتع أكبر وأفضل في عالم آخر». أما المقولة الثالثة فهي لأستاذي جورج برنارد شو: «أنا لا أقاوم أي إغراء لأن الأمور السيئة لا تغريني أبداً».

عندما أراد المخرج مراد منير أن يقدم المسرحية مرة ثانية مع ممثلين جدد دعا سعد اللـه ونوس لحضور العرض في القاهرة وقد لبى سعد اللـه الدعوة لكنه عاد مرضوضاً. وقد باح لي بأن سر انزعاجه من العرض هو أن الفنان القدير أحمد بدير الذي حل في دور البطولة محل الفنان صلاح السعدني قد بالغ في الخروج عن النص وأخذ العرض إلى مكان آخر، فصارت المسرحية شعبوية بدلاً من أن تكون شعبية. ولعل عدم تمييز ذلك الناقد بين الشعبية والشعبوية هو ما جعله يستمتع بالعرض رغماً عنه.

أعترف لكم أنني لم أشعر بالارتياح لقيام الفنان هاني شاكر بنشر مشهد اقتحام بوابة دار الأوبرا للحصول على بطاقات حفلته، لأن المشهد يسيء للجمهور السوري عموماً، وأنا على ثقة تامة أن من قادوا عملية الفوضى واستفادوا منها هم قلة من الطفيليات الذين جاؤوا لشراء البطاقات لا بغرض حضور الحفل بل بغرض المتاجرة بها في السوق السوداء، وهذا ما أكده عازف القانون عماد ملقي في كلمة وجهها لهاني شاكر قال له فيها: «… ولا تقل لي مشتاق لسورية وريحة الياسمين وأنت قابض أجر الحفلة من كبار التجار الحلبية سلفاً بل قل مشتاق لريحة الدولار».

باكراً في تجربتي الكتابية اكتشفت أن المنبر جزء جوهري من الخطاب فالنقد في الصحف الوطنية هو إسهام في البناء، فيما قد يسهم نقد الداخل في صحف الخارج في الهدم. وتقديم الشعبوي على منابر الفن الراقي فيه خلط غير بريء.

الخطأ الأساس، برأيي، فيما جرى، يكمن في اختيار دار الأوبرا مكاناً لحفل فنان شعبوي كهاني شاكر. كان يجب أن يقام مثل هذا الحفل في صالة الفيحاء مثلاً، فدار الأوبرا مكان عزيز وراق يجب ألا يقدم في قاعاتها إلا ما يرقى لمستواها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن