شؤون محلية

تثبيت الحد الأدنى لأسعار المنتجات الزراعية

| ميشيل خياط

لعل السعر العادل للمنتجات الزراعية الأساسية، أحدث تغييراً جذرياً في حياة الفلاحين السوريين- قبل الحرب الجائرة على سورية».

كان الريف السوري رمزا لشظف العيش والبؤس والشقاء، وفي أول. لقاءاتي الميدانية مع فلاحين من عدة قرى سورية، كان القاسم المشترك بينهم _ رغم تباعد المسافات، قولهم مطلع سبعينيات القرن الماضي _ نعيش على الخبز والشاي- وأي خبز وأي شاي…!!

شربت في- الهول – شاياً مراً، وظل مراً رغم ملعقة إضافية من السكر- تكريماً للضيف- (والسر أن الماء هناك كان مراً كالعلقم)، وأكلت في الخاتونية البحرة- خبزاً كجزء من الصخر..!

وكانت أوجاع فلاحي ريف درعا المنتج للقمح تؤلمني في قرى هجرها أغلب سكانها، ومن بقي فيها كان يردد: كانت أراضينا تملأ إهراءات روما بالقمح.!

وكان كيلو غرام القمح في مطلع السبعينيات بخمسة قروش…!! مبلغ زهيد جداً آنذاك، لعب دوراً مؤسسيا في فقر الفلاحين وهجرتهم.

حدثت تغييرات مهمة تنموية، أنارت ريفنا وجعلته أجمل وأبهى، لكنها زجته مرة ثانية في الإنتاج الوطني، عندما تم الإقبال على خطوات جريئة مطلع التسعينيات، جسدها رفع أسعار الحد الأدنى للقمح، لتصبح ضعف السعر العالمي…! فكانت مأثرة الارتقاء بالإنتاج من 650 ألف طن في السنة، إلى 3 ملايين طن وأكثر، ما جعلنا آنذاك دولة مصدرة للقمح.

تكررت الواقعة مع القطن، فغدا إنتاجنا مليوناً وخمسين ألف طن في العام 2000، (بالمقارنة مع 250 ألف طن في السبعينيات)، وتوافرت كميات هائلة من نواتج عصر بذور القطن، حتى غدت جبلا أمام معمل زيوت حلب الحكومي، فطلب حلاً لها، قدمه إليه الدكتور زياد الصواف الدوجي عبر أطروحة دكتوراه، نجح في سياقها بتحويل تلك النواتج، إلى ألواح خشبية صلبة وجميلة c&f، تستخدم في صنع الأثاث الخشبي. (أجمل وأمتن من ألواح الخشب المعاكس). وكانت أطروحة مثالية اخترعت حلا جديداً عملياً يوفر على سورية عشرات ملايين الدولارات لاستيراد تلك الألواح)

لعب السعر العادل (تكاليف الإنتاج – زائد – هامش ربح 10 بالمئة) دوراً مذهلاً وملهبا في الدأب والمثابرة والسهر للوصول إلى إنتاج وفير.

واغتنى الريف السوري آنذاك بأهله، ما أعطى جدوى كبيرة لكل البنى التحتية الإنتاجية والخدمية.

ولئن استمرينا على هذا النهج الحميد لجهة( القمح 2000 ل.س للكيلوغرام والقطن 4000 ل.س الكيلوغرام)، ما يعد بعودة سريعة إلى ازدهار الريف المحرر بعد الحرب، فإن المطلوب الآن وضمن السعي إلى إعادة البناء، والعودة بسورية إلى الوفرة، أن نتجه بجرأة نحو تثبيت حد أدنى لكثير من المنتجات الزراعية المهمة أيضاً والرائج إنتاجها في كثير من قرانا، مثل الحمضيات والزيتون والبندورة والبطاطا، والعنب- على الأقل- وهي منتجات، إذا فاض إنتاجها، صعب الاحتفاظ بها لفترة طويلة (باستثناء الزيت)، ما يجعل المنتج فريسة الابتزاز والاضطرار إلى البيع بسعر السوق وقانونه الجائر (قانون العرض والطلب)، فكلما كثر العرض انخفضت الأسعار، وضاع تعب عام كامل، بتثبيت حد أدنى لا يجوز أن يباع أي كيلو غرام إلا بموجبه.

سيتبدى هنا الدور النبيل للمؤسسة الحكومية، التي تتدخل لتتسوق بسعر الحد الأدنى الحامي للفلاح (تكاليف الإنتاج زائد هامش ربح بالمئة)، مستفيدة من المصانع الحكومية ووحدات الخزن والتبريد التي آن الأوان لإعادة تأهيلها كلها، وصالات البيع الحكومية الجديرة بالتطوير كماً ونوعاً.

وسيكون الربح وطنياً بامتياز.

يثبت أبناء الريف في قراهم، فيعيدوها جنة اللـه على الأرض، مثلما كان حالها قبل الحرب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن