ثقافة وفن

عبد المعين الملوحي بين التراث والأدب والترجمة عاش حياته

| أنس تللو

شخصية ثقافية مميزة، ينبوعٌ دفَّاقٌ من المعرفةِ والعطاء… باحثٌ ومؤلفٌ وشاعر، محقِّقٌ دقيق ومدرِّسٌ قدير ومديرٌ ناجح، مستشارٌ متميز وعضوٌ بارز في مجمع اللغة العربية، وهو مترجمٌ وناقلٌ حصيف، علَمٌ مؤثرٌ في تاريخ الأدب والتحقيق والترجمة… تسعون كتاباً ومئة مخطوطةٍ وآلافُ الطلابِ النجباء.

تربى في أسرة متواضعة ضمن بيت صغير في غرفة تحتل مئات الكتب رفوف جدرانها الأربعة، ربّاه أبوه الشيخ سعيد الملوحي أمام الجامع النوري الكبير في حمص.

طاف عبد المعين الملوحي في دراسته أماكن ثلاثة، فبدأ في حمص التي ولد فيها عام 1917، وتلقى تعليمه الابتدائي وقسماً من التعليم الثانوي فيها، ثم انتقل إلى دمشق فتابع تحصيله الثانوي بدار المعلمين العليا وتخرج فيها عام 1942، ثم غادر إلى القاهرة، وتابع دراسته في مصر؛ وحصل على الإجازة في الأدب العربي من الجامعة المصرية عام 1945.

وكان من بين أساتذته فيها: الدكتور شوقي ضيف الذي تعلم الملوحي منه حب الجدِّ العمل وتواضع العلماء، والأستاذ أحمد أمين الذي درَّب الملوحي على محبة الجمال والحياة.

ولـمَّا عاد إلى دمشق عمل في التدريس بثانويات القطر حتى عام 1960، ثم انتقل إلى وزارة الثقافة؛ وغدا مديراً للمركز الثقافي في كل دمشق وفي حمص لأكثر من عشر سنوات، وانتهى به المطاف في العمل الوظيفي مستشاراً ثقافياً في القصر الجمهوري.

عاش عبد المعين في بيئة دينية وطنية محافظة، وقد أهَّلته عبقريته وجده على أن يتقلد المناصب التالية:

1 – عمل مدرساً في حماة واللاذقية وحمص.

2 – كان مديراً للمركز الثقافي في حمص.

3 – عُين مديراً للمراكز الثقافية في وزارة الثقافة.

4- استلم منصب مدير للتراث العربي.

5- عُيِّن مستشاراً ثقافياً في القصر الجمهوري، بين عامي 1970 – 1976.

6- وكان عضواً في مجمع اللغة العربية بدمشق، وعضواً في جمعية البحوث والدراسات.

عمل مدرساً في جامعة بكين وحصل فيها على لقب أستاذ الشرف عام 1977، وهو أول لقب علمي صيني يعطى لمدرس غير صيني.

ثم بعد ذلك بدأ مرحلة جديدة من حياته، فقد اضطرّه المرض للعودة إلى الوطن، والتفرّغ للتأليف والنشر.

علماً بأن اهتمامه بالأدب كان قد بدأ منذ حداثته، فكان يخط مشاعره وإحساسه عن كل ما يقرأ في دفاتر خاصة به، وفي الرابعة عشرة من عمره نظم أول قصيدة، ونشرتها له جريدة ( ألف باء) الدمشقية عام 1936.

تنوعت إصداراته التي تقارب المئة كتاب ما بين تأليف وتحقيق وترجمة من الآداب الغربية، وهو يعتبر أنه ليس شاعرا، وأن كل ما كتبه إنما هو صدى لما يعانيه، فيقول:

لا لست أحسن لا شعراً ولا خطبا

إني أسجل ما تمليه مأساتي

والحقيقة أن عبد المعين الملوحي قد ذاق منذ طفولته مرارة الألم، فقد فقدَ الأخ بعد الأخ، ثم الزوجة والبنت، وحين اختطف الموت زوجته (بهيرة) نظم قصيدة رثاء مؤلفة من مئتين وخمسين بيتاً، وهي قصيدة بعيدة المدى في التفسير والتأويل، وفيها يقول:

أبهـــــــــــيرتي لا تزعمي أن قد عرفتِ الحقَ بعدي

أنا صــــــــنتهُ وبذلت في تعــلــيمهِ للنــــاس جهدي

أبهـــيرتي ما الحقُ تحت الأرض أو بعد الممات

الحق فوق الأرض في الإنسان في هذي الحياة

نشر له مجمع اللغة العربية ووزارتا الثقافة والدفاع ودار طلاس نحو 14 كتاباً في الشعر والشؤون العسكرية والفروسية والتصحيف والحيوان والمعاني… ومن أهم منشوراته كتاب (أشعار اللصوص وأخبارهم)، وهو ثلاثة مجلدات في 900 صفحة، وهذا الكتاب هو حصيلة أربعين عاماً من البحث المتواصل والتقصّي لأخبار الشعراء اللصوص وجمع تراثهم… وتسلّط هذه المجلدات الضوء على ظاهرة شبيهة بالصعلكة، والسبب في إقبال الملوحي على دراسة هذه الظاهرة هو إعجابه بطرافة شعر اللصوص، اللصوص الذين كانوا يعتبرون أن اللصوصية يمكن أن تحل مشكلة الغنى والفقر، فثاروا على المجتمع ثورة فردية، فقُتل بعض، وسُجن بعض، وهرب بعض إلى القفار يُعاشر الضباع والذئاب.

أما الترجمات فقد تنوعت مصادرها، إذ ترجم الملوحي من الآداب الروسية والصينية والفييتنامية والكورية والداغستانية والباكستانية والألمانية والفرنسية والإيطالية والبلغارية، ووصل عدد ترجماته إلى ثمانية وثلاثين كتاباً، بدأها عام 1944 بكتاب (ذكريات حياتي الأدبية) لمكسيم غوركي.

ومنها: (المتشردون- حادث فوق العادة لغوركي، مذكرات جاسوس، حق الشعوب في تقرير مصيرها للينين، حارس المنارة لبوي دين بان…).

ومن يقرأ هذه الكتب المترجمة لروائع الأدب العالمي، يشعر بأنها كُتبت أصلاً باللغة العربية، ذلك أن الملوحي كان يقوم بالترجمة مرتين: الأولى ترجمة حرفية يتقيد فيها بالنص الأصلي، والثانية ترجمة بأسلوب عربي تشع منه أنوار البلاغة العربية.

أما كتبه المحققة، فمن أهمها: (ديوان ديك الجن الحمصي، ديوان عروة بن الورد، التنبيه على حدث التصحيف للأصفهاني، أشعار اللصوص وأخبارهم…)

في عام 2005 ؛ كرَّمت الجمعية التاريخية بحمص بالتعاون مع رابطة الخريجين الجامعيين الأديب الملوحي ضمن ندوة احتفالية واسعة حضرها عدد كبير من الأدباء المثقفين، وذلك تقديراً من أهالي حمص لعظمائها وأعلامها.

توفي عبد المعين الملوحي الذي يفتخر به كل الوطن العربي في 21 /3/ 2006.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن