رحيل الشاعر اللبناني محمد علي شمس الدين … عاش للشعر وأبدع فيه وترجمت أعماله إلى لغات عديدة وكان مشاركاً في الحياة الثقافية
| مايا سلامي
توفي فجر الأمس الشاعر اللبناني الجنوبي محمد علي شمس الدين عن عمر ناهز الـ80 عاماً بعد انتكاسة صحية لازم خلالها المستشفى لأيام.
وقد رثته ابنته رباب شمس الدين عبر صفحتها الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي بقصيدة جاء فيها:
لم تعلمني كيف تكفن القصيدة
وقد غسلناها بدمع المحاجر
ولم تعلمني كيف يدفن الشعر
ولم تخبرني أن للشعر مقابر
حفرت كل تراب بيروت يا أبي
فما وسعتك بيروت يا أيها الشاعر
فأين أواري جسدك المقدس
وكيف ترثيك في الموت المنابر
حياته ونشأته
ولد الشاعر محمد علي شمس الدين في قضاء بنت جبيل- جنوب لبنان بقرية بيت ياحون عام 1942، ونشأ في قرية عربصاليم قرب النبطية، وبعد دراسته الأولى نقل والده عمله وعائلته إلى بيروت مطلع الخمسينيات حيث تابع دراسته التكميلية في ثانوية «فرن الشباك» وكان يذهب إليها مشياً على الأقدام ووضع لنفسه برنامجاً لحفظ مقاطع من الشعر الفرنسي خلال الذهاب والإياب ما أفاده لاحقاً في دراسته حتى أنه كان الوحيد في صفه الذي نجح في البروفيه الفرنسية عام 1958، وبعد سنتين تخرج في دار المعلمين التكميلية ولأنه كان أصغر من السن المؤهلة للتعيين بقي عاماً في البيت، بعدها أكمل دراسته ليحصد إجازة في الحقوق وأخرى في الأدب العربي وثالثة في التاريخ نال لاحقاً فيها شهادة دكتوراه دولة من الجامعة اللبنانية عام 1997، كما درس تاريخ الفن في معهد التعليم العالي. وعمل مديراً للتفتيش والمراقبة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في لبنان وكان رئيس المفتشين ومن موظفي الفئة الأولى.
سيرته الشعرية
تفتحت موهبة شمس الدين الشعرية باكراً ويعد من طليعة شعراء الحداثة في العالم العربي منذ عام 1973 وقد شارك في العديد من المهرجانات الشعرية في البلاد العربية وكتب عشرات المقالات النقدية عن الشعر والأدب والفكر في المجلات والصحف اللبنانية والعربية، وهو عضو الهيئة الإدارية في اتحاد الكتّاب اللبنانيين واتحاد الكتّاب العرب، وعضو شرف في رابطة الكتّاب الأردنيين.
لم ينحصر نتاجه الشعري في مجال واحد فكان متخصصاً في التاريخ وغائصاً في الأدب الإسلامي وملمّاً في الحقوق والمحاماة والشعر الفرنسي، وترجمت أشعاره إلى أكثر من لغة منها الإسبانية والفرنسية والإنكليزية، وكتبت فيها دراسات أكاديمية كثيرة كما تقرر تدريس شعره كرصيد أدبي في الجامعة اللبنانية وفي أكثر من جامعة عربية. وكتب عن قصائده الكثير من النقاد العرب والغربيين ومن بينهم المستشرق الإسباني بدرو مونتابيس، الذي قال: «يبدو لي أن محمد علي شمس الدين هو الاسم الأكثر أهمية والأكثر وعداً في آخر ما كتب من الشعر اللبناني الحديث، في هذا الشعر شيء من المجازفة، مكثف وصعب، ولاسيما أنه عرضة لكل الإشراك، شيء ما يبعث على المجرد المطلق، المتحد الجوهر، اللاصق في الشعر في إثر شمس الدين وقلة هم الشعراء الذين ينتصرون على مغامرة التخيل ويتجاوزون إطار ما هو عام وعادي، وهؤلاء يعرفون أن مغامرتهم مجازفة كبرى ولكنهم يتقدمون في طريقها».
حاز على العديد من الجوائز وأبرزها «جائزة العويس» و«الشارقة للشعر»، كذلك صدرت في شعر شمس الدين عدة دراسات أكاديمية وبحثية، منها: «لغة محمد علي شمس الدين الشعرية» في سلسلة الأدب الحديث للدكتور علي زيتون، «الرؤية إلى العالم في شعر محمد علي شمس الدين» للشاعر فاروق شويخ، «شعرية الانزياح» دراسة كاملة في شعره لـ أميمة عبد السلام الرواشدة.
لقي شعره رواجاً واسعاً في لبنان والعالم، وصدر له عدد من الدواوين، منها: قصائد مهرّبة إلى حبيبتي آسيا، غيم لأحلام الملك المخلوع، أناديك يا ملكي وحبيبي، الشوكة البنفسجية، طيور إلى الشمس المرّة، أما آن للرقص أن ينتهي، أميرال الطيور، ممالك عالية، النازلون على الريح، اليأس من الوردة، كرسي على الزبد، يحرث في آبار، منازل النرد، رياح حجرية، حلقات العزلة، الغيوم التي في الضواحي، شيرازيات، غرباء في مكانهم، العودة إلى المنزل، عندما تهب العاصفة، ينام على الشجر الأخضر الطير، نجوم في المجرة، ويكون سيفك للبنفسج مائلاً، للصبابة للبلبل وللملكوت. إضافة إلى مجموعة من الكتب أهمها: الإصلاح الهادئ، الكشف والبرهان ونقيضه، وقصص للأطفال: غنوا غنوا، قصة ملونة.
شاعر المقاومة
تشرب الشاعر الراحل حب الأرض وكان قلمه سيفاً في وجه كل معتدٍ وكتبت قصائده بعبق تراب الجنوب وأبطاله الذين ضحوا بأنفسهم في سبيل كرامته، فصدحت كلماته بعزة وجبروت واهتزت مآثرها في سورية وفلسطين ولبنان فكان شاعر المقاومة الذي رفض جائزة زايد للكتاب لعام 2020 عن كتاب «آخر ما تركته البراري» بعد إعلان الاتفاق الأميركي الإماراتي الإسرائيلي، فهو يرى أن مسألة الشعر غير مفصولة عن عروق تاريخنا وقناعاتنا لأن فلسطين عربية وأي تمويه لهذه الحقيقة سواء بالكتابة أم بالموقف السياسي أو بالتحالفات هو إفساد لكيمياء أرواحنا وشعرنا، وقال حينها: «لأن الجهة التي تمول جائزة زايد للكتاب هي جهة رسمية أي مسؤولة سياسياً عن موقف نرفضه من أصله لا يمكنني إلا أن أكون على طرف نقيض من أعداء الأرض والتراب والثقافة».
ولطالما احتل الجنوب جزءاً كبيراً من شعره وكان دائماً يقول: إن «انتمائي للجنوب كانتماء الجرح للطعنة فهو انتماء قوي وحار، والجنوب حملني، ثم حملته في شعري أبعد من الرقعة الجغرافية فهو دخول في دهاليز التاريخ واستحضار أماكن وأشخاص… ذلك أننا نحن أبناء هذا الشجن في الجنوب اللبناني نشبه بشجننا الشجن المسيحي الذي منذ أن صلب المسيح صلب عليه الإنسان وصلبت عليه الحياة، فانتمائي للجنوب وجودي أكثر مما هو مذهبي».
وقد صور ذلك في قصيدة جاء فيها:
يا إخوتي
أنا الآن منكشف كالفضاء
أطير هنا وهناك
سابحاً في أعالي السماء
جميلاً وحراً وممتلئاً بالعناقيد
ودمي كالنبيذ يسيل على الأرض
فيشربه شعب جلعاد كما يشرب السم
فيهوى صريعاً على وجهه
يا إخوتي في شهر تموز
من عام جرح وألفين بعد المسيح
وسبعين مجزرة في القرى
في طريق الأمام الذبيح
وعام 1984 إثر الأحداث على أرض الجنوب كتب شمس الدين قصيدة «ورشة القتلة» وفيها هجا القتلى في الداخل والخارج:
وداعاً وداعاً قيودي الصغيرة
لم يعد للمغني فم ولا طعم للعاشقين
والذي يفصل الشمس عن طفلها
ورشة القاتلين
محمد علي شمس الدين في سطور
ولد محمد علي شمس الدين عام 1942 م في قرية بيت ياحون في قضاء بنت جبيل بجنوب لبنان
نشأ في بلدة عربصاليم قرب النبطية وفيها كبر.
حاز شهادة دكتوراه دولة في التاريخ من الجامعة اللبنانية، كما حمل إجازة في الحقوق.
عمل مديراً للتفتيش والمراقبة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في لبنان، وكان رئيس المفتشين في الضمان الاجتماعي ومن موظفي الفئة الأولى.
غالب شعره يتفاعل مع رموز التاريخ العربي والإسلامي.
حاز عام 2011 على جائزة العويس الشعرية.
ترجمت أشعاره إلى أكثر من لغة منها الإسبانية والفرنسية والإنجليزية.
كتب عن قصائده الكثير من النقاد العرب والغربيين.
من مؤلفاته: قصائد مهرّبة إلى حبيبتي آسيا، غيم لأحلام الملك المخلوع، أناديك يا ملكي وحبيبي، الشوكة البنفسجية، طيور إلى الشمس المرّة، أما آن للرقص أن ينتهي، أميرال الطيور، ممالك عالية، النازلون على الريح، اليأس من الوردة، كرسي على الزبد.