اقتصاد

مُحررة و(مكترة)!

| فراس القاضي

من ضمن ما طرحه بعض الخبراء الاقتصاديين في سورية في السنوات العشر الأخيرة حلاً ولم يستجب له أحد طبعاً – كحال ما طُرح من حلول للزراعة والرياضة والتعليم وكل شيء تقريباً – هو تحرير أسعار السلع، وبغض النظر عن نجاعة هذا الحل أو عدم نجاعته وملاءمته للحالة السورية، فإن تعريفه هو إلغاء القيود الحكومية على سقوف الأسعار وإلغاء تسعير الدولة للمواد والسلع والخدمات، واعتماد مبدأ العرض والطلب، أي ترك الأمور ترتب نفسها بنفسها في الأسواق حتى تستقر.

طبعاً ترفض الحكومات المتعاقبة هذا الحل بشكل قاطع لأسباب عديدة، منها الفوضى التي ستحصل في الأسواق، وعدم مقدرة المواطن على تحملها وتحمل ارتفاع الأسعار الذي قد يكون كبيراً جداً، وغيرها من المشكلات، وتصر على تدخلها للحفاظ على مستوى معين من الأسعار بحيث يستطيع المواطنون بمختلف شرائحهم ومستوياتهم الحصول على احتياجاتهم.

لكن هل فعلاً الأسواق غير محررة؟ وهل الأسعار مضبوطة؟ وهل للتدخل الحكومي أثر واضح أو حتى مجرد أثر؟

لا يحتاج إثبات عكس ادعاء ضبط الأسواق، سوى جولة بسيطة عليها، جولة على أي نوع من أنواعها، فمثلاً، في سوق الكهرباء في منطقة (المرجة)، بإمكان أي أحد إجراء التجربة التالية:

اختر أي قطعة كهربائية (كولر – مروحة – مدفأة كهربائية – مكواة) أو أي قطعة من مستلزمات الطاقة البديلة (إنفرتر – لوح طاقة شمسية – مدخرة)، وابدأ بالسؤال عن سعر القطعة ذاتها من بداية السوق – الذي يتألف من ثلاثة شوارع – حتى نهايته، وتجهّز للصدمة، لأن فرق السعر سيصل إلى حوالي 200 ألف ليرة بالقطع الكبيرة، ولا يقل عن خمسين ألف ليرة بالقطع الصغيرة.

دعنا من السلع الكبيرة التي لربما سيصنفها أحد ما ضمن ما لا يلزم الفقير ولا يسعى إليه أساساً، ولتكن الجولة الثانية على أسعار الغذائيات التي تقوم عليها حياة الجميع، مرة أخرى، ابدأ بالسؤال عن سعر سلعة غذائية معينة في سوق معين، عندها سترى الفروق بين المحل الأول والثاني الذي يبعد عنه عدة أمتار، بل أحياناً يجاوره تماماً.

مثال آخر، اسأل عن سعر أي سلعة في مدينة دمشق، وأسأل عنها ذاتها في الضواحي، أيضاً ستجد الفروق مخيفة، والحجة تكلفة النقل، مع أن الجميع يعلم أن تكلفة النقل إن قُسّمت على وزن أو عدد السلعة، ستكون الزيادة طفيفة جداً، لكن ما يحصل هو أن ارتفاع السعر يجعلك تظن أن تكلفة النقل كاملة تضاف إلى كل قطعة أو كل كيلو.

لننتقل إلى الخدمات، اتصل بنجّار، أو بصاحب محل صيانة غسالات أو برادات أو أدوات إلكترونية، واسأل كل واحد منهم عن سعر إصلاح القطعة المعطلة، وانظر إلى الفروق التي قد تصل إلى 100 بالمئة، هذا في حال أوصلت له القطعة المعطلة إلى محله، أما إن طلبته إلى المنزل، فالفروق تزداد وتكبر.

كل ما سبق يحدث بشكل يومي، وتصر الجهات المعنية على الإنكار، وعلى الادعاء أن تدّخلها يثبّت الأسعار ويحددها، رغم أن عدد ضبوط المخالفات اليومية الهائل التي يحررها مراقبو وزارة التجارة الداخلية، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الملتزمين بالأسعار الحكومية لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة في كل سوق من أسواق المدن والمحافظات والأرياف، وهؤلاء «الملتزمون» – على قلتهم – فإن أغلبيتهم هم الذين علموا أن دورية التموين وصلت إلى السوق، فالتزموا بالأسعار ريثما تنهي مهمتها وتعود أدراجها، ليعودوا إلى أسعارهم الحقيقية.

أما المضحك المبكي، فهو التركيز على نشر ثقافة الشكوى، أي تحميل المواطن مسؤولية ضبط الأسواق، ونحن بالطبع لسنا ضد هذه الثقافة أبداً، لكن تخيلوا لو أن المواطن السوري استجاب لتعميم ثقافة الشكوى، وقرر أن يكون إيجابياً، وأن يتصدى لهؤلاء «الشريرين»، فهل ستكفيه الأربع والعشرين ساعة ليشتكي على باعة منتجات الألبان، والخضر، واللحوم، ومحال الصيانة، والتكاسي، والخياط، والنجار، والحداد، والكومجي، والأكشاك، والكازيات، ومحال الألبسة، والأحذية، والعصرونيات، ووو؟

لذا، على من يطالب بنشر هذه الثقافة أن يمنحنا يوم عطلة إضافياً في الأسبوع، وساعتي كهرباء إضافيتين لشحن الخليوي، وصدور أكبر تتسع لزفرة لم يُسمع مثلها في التاريخ.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن