اقتصاد

قروض السكن والقروض الشخصية..«مقسوم لا تاكل وصحيح لا تقسم» … العقاري: الكفيل في القروض الاستثمارية وسيلة ضغط لضمان عدم التعثر ويتم التعامل مع الجمعيات السكنية بشخصيتها الاعتبارية

| نوار هيفا

قد تكون القروض المصرفية باب النجاة السريع لكثير من المواطنين، خاصة الحالمين باقتناء منزل أو البدء بمشروع صغير في حال وافقت شروط القروض وضعهم الوظيفي المرتبط بسقف الراتب، وخاصة أن الكثير ممن اقتنوا منازل في السابق كان للقروض العقارية مساهمة كبيرة فيها إن لم يكن لها كل الفضل، أو عن طريق جمعيات سكنية هي أساساً مستفيدة من قرض مصرفي أو عدد من المساهمين، لكن اليوم تحول هذا الواقع إلى حلم مستحيل لا يكفيه أعلى سقف من القروض.

اختلفت آراء المواطنين حول مبالغ القرض ونسب الفوائد رغم إجماع معظمهم على أن القروض بأنواعها لم تعد مسعفة. دينا أحمد مواطنة تطمح لتأسيس مشروع صغير «مركز تجميل» ورغم اعتقادها أن «القرض شرٌ لابد منه» بعد العمليات الحسابية في تأمين سداد أقساطه المحددة، إلا أنه طوق النجاة الوحيد لديها، ما دفع زوجها الموظف لتقديم طلب القرض لتكون المفاجأة أن راتبه لا يُمّكنه من سحب المبلغ المطلوب ليضطر الآخر لمشاركة زميل له بقرضٍ ثان ليصلا حد 10 ملايين ليرة لاستكمال مشروعهما الصغير.

أما الممرضة زينة يوسف فقالت: إن انتظارها لتحديد فوائد القروض وسقوفها ذهب هباء، فسقف الراتب لا يسعفها بالفوز بقرض الترميم، مبينة أن منزلها الذي تعرض للهدم في منطقة سبق أن اعُتبرت ساخنة كانت قد اقتنته بقرض سكني.

محمد حسن تاجر بطاريات قال: لقد استفدت من القرض الاستثماري بمبلغ قدره 100 مليون لتوسيع العمل قليلاً، لكنني وجدت نفسي مضطراً لتقليص عدد سنوات السداد وحصرها بثلاث سنوات بدل 15 أو 7 سنوات لتعويض الخسائر من حجم الفوائد، فضلاً عن استعانتي بموظف كفيل كشرط ملازم للسجل التجاري الخاص لمنح القرض، علماً أن حجم سداد القرض بالقسط الواحد يفوق راتب هذا الموظف بأربعة أضعاف وأكثر.

معاون مدير المصرف العقاري أكرم درويش كشف لصحيفة «الوطن»، أن القروض الممنوحة من المصارف تُقدم حسب إمكانية المصرف ووفق شروط تناسب صاحب الدخل بزيادة عدد الكفلاء وحدود سقف السحب.

وأشار إلى أن سقف القرض كحد أعلى هو 100 مليون ليرة وفق اختلاف مدة السداد، فعلى سبيل المثال وكحد أعلى للتقسيط حيث تصل المدة إلى 15 سنة يتم احتساب الفائدة بـ15.5 بالمئة من القرض السكني و18 بالمئة من القرض الاستثماري.

وعن إمكانية تخفيض نسب فوائد القروض السكنية على حساب القروض الاستثمارية بناء على اختلاف استخدامتها وموارد سدادها، بيّن درويش أن فائدة القرض السكني أقل من فائدة الاستثماري، فالبنك المركزي رفع الفوائد على الإيداعات التي ندفعها للزبون المودع في البنك، وعليه بالمقابل سيتم رفع القروض وإلا سيتسبب ذلك بخسارة للبنك، بالتالي كان الفرق ما بين النسبة التي تم رفعها للسكني يتراوح بين 15 و15.5 بالمئة، أما الاستثماري بين 17 و18 بالمئة والفوائد 11 بالمئة للإيداعات كحد أدنى، ولا يمكن للبنك تحمل عبء أكثر، لأن تكلفة الفائدة حالياً محسوبة لدى البنك 4 و5 بالمئة، وعلى هذه الحسبة يجب أن يأخد البنك 17 و18 بالمئة ورغم هذا البنك قبل بالـ 15 بالمئة للسكني بالحد الأدنى المقبول.

وعن المطالب برفع سقوف القروض العقارية «إكساء وترميم وشراء.. إلخ» أكد درويش أن إدارة المصرف رفعت طلباً للمركزي طالبت فيه برفع سقوف قرض العقاري إلى 100 مليون إضافة لطلبات برفع سقوف باقي القروض خاصة قروض (السيريا كارد) لتوازي بشكل مقبول الأسعار وتكون ذات نفع لطالب القرض، رافضاً التصريح بسقف الرفع حتى يأتي الرد من المركزي.

أما عن آلية التقدم للقرض وطلبها، فقد أوضح درويش أن القروض إلى حد 15 مليوناً يتم التعامل معها داخل الفروع العقارية من دون الرجوع للإدارة لتقليص مدة استلام القرض بالنسبة لطالبه وهو عامل مساعد قدر الإمكان وهناك حالياً طلب لرفع هذا السقف إلى حد 25 مليوناً.

ووقوفاً عند رغبات طالبي القروض -خاصة الاستثماري منها- بإلغاء شرط الكفيل الموظف والاكتفاء بالسجل التجاري، شدد درويش على أنه شرط يكفل للبنك موضوع السداد، خاصة بعد التعثرات التي حصلت سابقاً من تجار وصناعيين إما تقاعسوا عن الدفع أو هربوا خارج القطر مثلا، وعليه من حق البنك الحصول على ضمان حتى لو كان بسيطاً إضافة للسجل التجاري والرهن لضمان حقوق البنك، فكان هذا الشرط وسيلة ضغط وضمان للمصرف.

وعن قروض الجمعيات السكنية والمطالبات برفع سقوفها من 100 مليون إلى ما بين 500 مليون ومليار ليرة لقدرة هذه الجمعيات على تحريك السوق العقارية واليد العاملة والبنوك، قال درويش إن المصرف ملتزم بالقرارات الصادرة عن البنك المركزي والسقوف المحددة من قبله، وهذا القرض يمنح للجمعية بشخصيتها الاعتبارية، وبالتالي سقف القرض الممنوح لهذه الجمعية يخضع لشروط سقوف القروض الممنوحة التي هي 100 مليون ليرة، مبيناً أنه طرح سيؤخذ بعين الاعتبار.

ومع تباين آراء خبراء الاقتصاد حول جدوى هذه القروض ومدى تأثيرها على الحياة الاقتصادية، أوضح مدير البحوث والاستشارات لدى المعهد الوطني للإدارة العامة الدكتور أيهم أسد في تصريح خاص لصحيفة «الوطن» أن هذه القروض من الناحية الاقتصادية البحتة وفي ظل اقتصاد يعمل بظروف مثالية ومستقرة وخالية من التوترات والأزمات تؤدي إلى تنشيط دورة الاقتصاد بشكل عام لما تولده من سلسلة نفقات متتابعة، إلا أن القروض السكنية الموجهة للأفراد من حيث المبدأ تلعب دورين متناقضين: الأول إيجابي وهو قدرتها على التأثير في أسواق مواد البناء من ناحية تنشيطها وزيادة الطلب على تلك المواد وتشغيل اليد العاملة في قطاع البناء، والثاني سلبي وهو أنها قروض غير منتجة للثروة والدخل إنما منتجة لأصول قابلة للتداول فقط.

وفي الحديث عن مدى إمكانية توفر هذه القروض لذوي الدخل المحدود، كشف الدكتور أيهم أن القروض العقارية الحالية هي خارج قدرة ذوي الدخل المحدود وخارج قدرة موظفي القطاع العام تحديداً لأربعة أسباب هي: مستوى الدخل المتدني للموظفين وذوي الدخل المحدود الذي لا يكاد يغطي نفقات المعيشة الأساسية، وارتفاع قيمة القرض وقيمة الفوائد عليه التي لا يستطيع أصحاب الدخل المحدود تحمل قيمة أقساطها وفوائدها، إضافة إلى عدم توفر الضمانات العقارية لدى الكثير من المواطنين الراغبين بالحصول على القرض، ما يحرمهم من فرصة الحصول على قرض في حال قدرتهم على ذلك، وأخيراً عدم كفاية مبلغ القرض إلا لتغطية جزء صغير جداً من تكلفة العقار الشخصي بسبب التضخم الكبير في أسعار العقارات التي تصل قيمتها إلى ضعفي أو ثلاثة أضعاف سقف القرض.

والنتيجة أن المستفيدين من تلك القروض هم من يملكون الثروات أساساً أو من أصحاب المشروعات الكبيرة المنتجة القادرة على سداد القرض في حال كان قرضاً عقارياً أو حتى استثماري، وبالتالي فإن الشريحة الأكثر احتياجاً للسكن لن تتم تلبية طلبها على السكن وخاصة في الكثير من المناطق المتضررة بفعل الحرب والتي يرغب سكانها بالعودة إلى منازلهم فيها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن