أسس عدد من قادة جيش الاحتلال قبل سنتين تقريباً مركزاً خاصاً لأبحاثهم حول «المسائل الأمنية» التي تشغل الكيان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة والجوار الإقليمي باسم «أبحاث المتخصصين بالأمن»، كشف فيه دورون ماتسا، وهو أحد رجال الأبحاث في تحليل نشره في صحيفة «يديعوت أحرونوت» في 13 أيلول الجاري أن «ما يحدث الآن في الضفة الغربية هو انتفاضة ضد الأمر الواقع وأنها مسلحة وليست مجرد مظاهرات ونشاطات عصيان عامة»، وأضاف إنها: «تجري في أيلول الجاري وقد تشبه قريباً الانتفاضة المسلحة التي جرت في أيلول وتشرين الثاني عام 2000».
ويبدو أن العملية التي قام بها اثنان من رجال المقاومة الفلسطينية المسلحة أول من أمس تزيد عدد المؤشرات على هذه الحقيقة حين نصب مقاومان فلسطينيان كمينا قرب منطقة جنين وقتلا قائد كتيبة الأطراف في جيش الاحتلال، وأصابا آخرين أثناء اشتباك بنيران الأسلحة النارية ثم استشهد الاثنان، وذكرت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية أن أحدهما كان شرطيا في قوات الأمن الفلسطينية التابعة للسلطة الفلسطينية.
وكان ماتسا قد ذكر في «يديعوت أحرونوت» أن بعض قادة الجيش لا يفضل الاعتراف بحقيقة أن منطقة جنين ونابلس تشكلان مع القدس أهم ثلاث مناطق مرشحة لزيادة عمليات الاشتباك الناري بين الجيل الجديد الفلسطيني وبين جيش الاحتلال.
لقد حذر عدد من قادة جيش الاحتلال من أن أي انتفاضة مسلحة جديدة ستحفز الفلسطينيين في الأراضي المحتلة منذ عام 1948 على المشاركة بما يشبه العمل المسلح ضد الجيش، وليس الاكتفاء بالتضامن في الشارع، لأن آثار مشاركتهم في أيار العام الماضي لا تزال ماثلة في ذاكرتهم بشكل ساخن، وتبين من استطلاع أجرته صحيفة «يسرائيل هايوم» قبل عام تقريباً أن 75 بالمئة من فلسطينيي الأراضي المحتلة منذ عام 1948 يرفضون إعطاء أي حق لليهود على أي جزء من فلسطين، ويرى ماتسا أن ضعف السلطة الفلسطينية وأزماتها وانسداد الطريق تجاه المفاوضات في ظل الحملات الانتخابية المحمومة بين أوساط اليمين، ستزيد من صعوبات التغلب على التحديات التي يواجهها الجيش في الأراضي المحتلة.
يبدو من الواضح أن يجد الكيان الإسرائيلي نفسه في ظل هذه الظروف أمام تحديات عسكرية وسياسية كبيرة فلا يزال موضوع إيران النووي يسيطر على جدول عمل تهديداته المتصاعدة، وهناك موضوع ترسيم الحدود البحرية الاقتصادية بين بيروت وتل أبيب، الذي يفرض نفسه باحتمالات تتراوح بين إغلاقه أو انفجاره، وعلى جبهة قطاع غزة ستظل الاحتمالات تتجه نحو العودة إلى الاشتباك بالصواريخ، يضاف إلى ذلك جبهة حدود الجولان ليصبح كل شيء قابلا للتصعيد والتوسع نحو الجناح الثاني لجبهة الشمال في جنوب لبنان، وهذا ما يجعل من المنطقي الاستنتاج بأن ما يجري على أرض الواقع هو ما يشبه الحرب المستمرة ضد الكيان الإسرائيلي على عدة جبهات يضاف إليها جبهة الانتخابات الداخلية فيه.
ويبدو بالمقابل أن استعجال حكومة تصريف الأعمال بقيادة يائير لابيد بتعيين رئيس أركان جديد هو الجنرال هيرتس هاليفي قبل أسبوع، كان ضرورة بنظر هذه الحكومة بسبب كل هذه التحديات الصعبة، علماً أن لابيد كان منذ الإعلان عن تسبيق موعد الانتخابات وحل الكنيست قبل شهر ونصف الشهر قد أعلن عن تأجيل عملية اختيار رئيس أركان يحل محل الجنرال أفيف كوخافي الذي انتهت مدة خدمته لما بعد الانتخابات وبعد تشكيل حكومة أصيلة وليست لتصريف الأعمال.
ثمة من يعتقد أن الأسابيع المقبلة حتى موعد الانتخابات وربما ما بعدها أيضاً ستحمل معها مخاطر كثيرة على الكيان الإسرائيلي، طالما تزداد أسبوعاً تلو آخر مضاعفات التحديات والأزمات والمواجهات غير المسبوقة التي تنتظره في هذه الأوقات بمجملها وبتأثيراتها المتبادلة، وخاصة في مواجهة الانتفاضة المسلحة التي تزداد عملياتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة.