من دفتر الوطن

طبل وزمر توتر عالي!

| فراس عزيز ديب

التراث جزء لا يتجزَّأ من ماضي الشعوب وأحد أهم ركائزَ مستقبلها، حالة تراكمية تشكِّل هوية لهذا الشعب أو ذاك يُعرَّف بها أو يُعرف من خِلالها، قد يكون هذا التراث مادياً فما أن تذكر مدينة حلب مثلاً حتى يُبادرك محدثك الفرنسي بالسؤال عن «السوق المسقوف» و«الصابون الحلبي»، غير مادي كـ«العتابا» و«القدود» وصولاً إلى بعض الحالات التراثية الخاصة بكل شعب وهي أقرب ما تكون للعادات والتقاليد مثلاً هناك من يناديك بلقبكَ المنسوب إلى والِدك حتى قبل أن تتزوج وتُرزق بمولودٍ ذكر، كل هذهِ العادات والتقاليد هي جزء لا يتجزأ من الهوية التي نعتز بها، بمعزلٍ إن كنا نتفق معها كلها أم لا! لكن ليسَ علينا الخجلَ منها لأنها ببساطة تحكي حكايات أجدادنا ومن يخجل مما كان عليهِ أجداده عليهِ مراجعة نفسه لا العادات.

في هذا الشرقِ البائس ولسوءِ الحظ لدينا تراث من نوعٍ آخر، لامادي ولا غير مادي، ربما عجزت اليونيسكو والأمم المتحدة عن إيجاد تعريفٍ واضحٍ له، تراث مرتبط بالمسؤول ونظرتهِ للكُرسي والمواطن على حدٍّ سواء، هذا التراث مرتبط بالكثير من الأشياء غير المفهومة تبدأ بوجود ما يُسمى «الحاجب» و«السائق» الذين يعملون من «مال الدولة» لخدمةِ المسؤول وعائلته وتنتهي بوجود موكبٍ ضخم يرافق «سيادته» في حلِّهِ وترحالهِ عدا عن باقي المواكب التي ترافق «حرم سيادته» وصولاً إلى تمثيليات الاستقبالات الشعبية وانعقاد حلقات الرقص والدبكة عند وصوله إلى مكانٍ ما، كيف لا وهو يحمل همَّ المواطنين على كفِّه؟!

أما الجزء الأهم من هذا التراث فهو النظر لكل ما يقوم بهِ المسؤول على أنه شيء خارق، يتجاوز الحدود، إن ابتسم فهو قمة في التواضع، إن قام بجولة تفقدية وهي من صميم مسؤولياته فهو متابع وجسور وهكذا تبدأ حكاية هذا التراث اللعين ولا نعرف كيف تنتهي.

ربما كنا ولا نزال بعد أن ضربت لوثة الربيع العربي ما ضربت، وبعدَ تفشي مواقع التواصل الاجتماعي وإمكانية تلقي المواطن أي معلومة عن هذا البلد أو ذاك نطمح بأن يكون هناك محي هذا التراث إلى الأبد، لكن يبدو وكأننا نصرخ في وادٍ لا أكثر ما زالت العقلية ذاتها تحكم ما زلنا بعدَ سنوات من الحرب اللعينة نفتح مواقع التواصل الاجتماعي لنُشاهد مسؤولاً يتم استقباله بـ«الطبل والزمر»، البعض هنا قد يقول:

ما علاقة المسؤول إن كان هناك من قرر أن يفاجئه بالطبل والزمر؟

الجواب على هذا السؤال بسيط جداً، أعرف أن هناك رئيس دولة يمثل آخر ما تبقى لهذه الشعوب من أمل، طلب إلغاء الدعاء له في الجوامع، كانت حجته رغمَ معارضة من لم يرق لهم الأمر بأن من يريد الدعاء فليدعو بقلبه، هنا تكمن الثقة بمحبة الناس، فعلياً من يدعو له سيدعو بقلبهِ، من سيدافع عنه سيدافع حتى لو كان خارج الحدود وخارج الصورة، سيدافع من دون طبل ولا زمر ولا حتى.. خطابات رنانة، الثقة بمحبة الناس هي أكثر ما يفتقدهُ من لا يعمل، فيتم الاستعاضة عنها بالهتاف والطبل والزمر!

في الخلاصة: لن أُطيل ولن أستجمع الكلمات ولا المعاني إذ ليس هناك من خلاصة أهم من عبارة:

متى نتعلم من سيد الوطن؟!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن