شؤون محلية

الإصحاح البيئي.. يصون صحتنا

| ميشيل خياط

كانت البيوت ذات الجور الفنية للتخلص من الفضلات، المبنية فوق الينابيع، سببا لعدة جوائح في سورية، في سبعينيات القرن الماضي، كالكوليرا والحمى التيفية، والإنتانات المعوية..الخ.

زودت مدننا وأغلب قرانا بشبكات صرف صحي نظامية خففت كثيراً من الأمراض البيئية.

وجاءت الحرب الضروس على سورية، لعنة كبرى، على كل الصعد ومنها الصعيد الصحي.

تعد المياه أسرع ناقل للأمراض، وتتسبب المياه الملوثة بعشرين مرضاً على الأقل، حسب د. عاطف الطويل اختصاصي الوبائيات، وكان قدم شهادته تلك، في سياق رده على سؤال عن الأثر المرضي لتلوث نهر قويق في حلب.

وقبل ثلاثة أشهر انعقدت في مكتبة الأسد بدمشق ندوة علمية بيئية شاركت فيها باحثة من كلية الزراعة في جامعة حلب، استعرضت أهم نتائج أطروحة الماجستير التي أنجزتها، وهي: تلوث الخضار المزروعة في سهول حلب الجنوبية، بجراثيم وطفيليات وفيروسات عديدة.

ولعل ظهور الكوليرا في سورية مجدداً، بعد المعاناة الخدمية الكبرى بعد الحرب، يسوغ فتح ملف الإصحاح البيئي على مصراعيه.

بلغ عدد إصابات الكوليرا حتى 13/9 حسب وزارة الصحة (53 إصابة منها 22 في حلب والباقي في الحسكة ودير الزور واللاذقية ودمشق وتوفي خمسة من المصابين، أربعة في حلب واثنان في دير الزور وواحد في الحسكة).

يؤكد الأطباء أن الإسراع في معالجة الإسهال بالإماهة، أفضل وسائل الشفاء. ويجب عدم التأخر في طلب المساعدة الإسعافية، وثمة لقاح، وأغلب الإصابات، تشفى بالعناية الطبية البيتية.

وتوجهت أصابع الاتهام في حلب إلى الماء الملوث والمزروعات المروية به.

وإذا ما أخذنا مدينة حلب كمثال، نجد أن نهر قويق شديد التلوث، وهو مصدر الري الوحيد، ولئن أعيد إحياء مشروع رفع التلوث عنه، وجرى في بداية العام الحالي دفع الماء العذب القادم من بحيرة الأسد عبر نهر حلب الصناعي، إلى شلالات حندرات، فإن كمية المياه العذبة التي زود بها تروي 8500 هكتار فقط، في حين أن سهول حلب الجنوبية شاسعة، ويجب أن نلاحظ هنا، أنه وبسبب الحرب، فقدت حلب محطة معالجة المجارير وكانت تعالج يومياً 350 ألف متر مكعب من المياه الملوثة، وتحولها إلى ماء صالح للري، وهذا الماء، يذهب اليوم إلى سهول حلب من مجاريرها لري الخضراوات.

وهذه الحال ليست وقفاً على حلب، بل نجدها في دمشق التي فقدت محطة المعالجة في عدرا على يد الإرهاب الأسود.

وقد يقال: نعرف واقعنا مع التلوث، وهو ليس مفاجئاً، فما سر الكوليرا الآن..؟

السؤال مهم، وجوابه أن ضمات بكتريا الكوليرا لا تزال موجودة في الكثير من دول العالم وهي سبب 4 ملايين إصابة سنوياً..!

ويكفي أن يأتي من كان يقيم في بلد موبوء وهو يحمل البكتريا، لينقلها عبر البراز إلى شبكة الصرف الصحي، لأن البكتريا تكمن في الجسم من دون أعراض لخمسة أيام أحياناً.

الحل معها على المدى البعيد، الانتباه إلى ضرورة إعادة بناء محطات معالجة المجارير والاهتمام بالنظافة العامة، والتعامل الآني يكون بالاهتمام بالنظافة الشخصية، كغسل اليدين وعدم أكل الحشائش التي تؤكل نيئة (بقدونس نعنع بقلة بصل أخضر لزوم التبولة والفتوش)، وفي حال الضرورة القصوى، يجب تعقيمها بنقعها بالبرمنغانات أو الخل أو بقليل من الكلور واذكر أن المرحوم الأستاذ الدكتور محمد علي حورية وهو اختصاصي كيمياء صناعية، كان يصر على التعقيم بقليل جداً من الكلور.

اطرقوا باب منظمة الصحة العالمية للمساعدة على الإصحاح البيئي السوري، فلقد تبنت مؤخراً فكرة المساعدة البيئية لتقليص المراضة، وهي تردد أن ربع الأمراض عالمياً، هي بسبب التلوث البيئي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن