اقتصاد

أصل وفصل النزاع حول نقود نافورة «تريفي»!

| د. سعـد بساطـة

نافورة تريفي هي أكبر نافورة في روما وواحدة من أشهر النوافير في العالم، يقصدها ملايين السياح سنويا أملاً بتحقق رغـباتهم وفقاً للأسطورة؛ حيث يروي التاريخ القديم أن حسناوات إيطاليا كن يأتين إلى النبع معتقدات أن أمنياتهن بالزواج ستتحقق. يتصور أحدهم أنه إذا أعطى ظهره للنافورة ثم رمى قطعة نقدية فيها مستخدماً ذراعه اليمنى فوق اليسرى فإن أمنيته ستتحقق، وتصل قيمة القطع النقدية التي تقذف في النافورة لما يزيد عـلى 30 مليون يورو سنوياً. يقوم المشرفون بتنظيف النافورة كل ليلة اثنين حيث تجمع النقود وتذهب المبالغ لمصلحة صندوق الصليب الأحمر الدولي؛ أو لبلدية روما!

وهنا نشأت المشكلة مؤخراً؛ نزاع محتدم حول الجهة التي لها أحقية في ذلك المبلغ!؟

لعل من أهم وأخطر الإشكاليات التي تبرز على السطح عند وجود فراغ إداري في مؤسسة ما إشكالية تنازع الاختصاصات بين مراكز القوى وصُناع القرار! والمقصود بتنازع الاختصاصات هو «تداخل وتشابك المهام والمسؤوليات ضمنها ومحاولة كل جهة انتزاع ما تعتقد أنه من حقها والهروب من مسؤولياتها».

والحديث عن الاختصاصات يعني الحديث عن جوهر الإدارة وآليات اتخاذ القرار، وأن تحديدها وتعريفها التعريف الواضح والدقيق يقود لتحديد متخذ القرار، عدم استطاعـته التهرب من مسؤولياته؛ إمكانية مساءلة ومحاسبة المخالف والفاسد، وضمان نجاح المؤسسة لتسهيل مهامها المستقبلية.

ويمكن القول إن الاختصاصات هي المحرك الرئيس لأي قرار مؤسساتي، وهذا يتطلب منها تعريف وتحديد نوع المهام المطلوب إنجازها واتخاذ القرارات تبعاً لكل مستوى وظيفي.

هنالك العـديد من الاختصاصات المؤسساتية أهمها: المشتركة؛ وهي الاختصاصات المتاحة لكل الجهات أو المستويات الحكومية المختلفة في المؤسسة. وهذا النوع من الاختصاصات يخلق مشكلات لكونها متداخلة بشكل ضبابي أحياناً!

وبجانب الاختصاصات الحصرية والمقيدة والمشتركة للسلطات، هناك اختصاصات تقديرية أيضاً، إذ لا تخلو أغلب القرارات في إصدارها من عنصر التقدير. وفي هذه المهام يُعطى للمسؤول حرية اتخاذ إجراءات قانونية في الأحوال التي لا يفرض عليه قيود مُسبقة، بشرط أن يكون للسلطات الرقابية والقضائية حق المراقبة والمساءلة القانونية لهذه القرارات والتصرفات. وبمعني آخر، إن المهام التقديرية هي سلطات تُترك للمسؤولين خلال تنفيذ أعمالهم، وتسمح لهم باتخاذ أية إجراءات أخرى يرونها مناسبة بشرط ألا تتعارض مع النص الصريح للقانون.

يمكن أن تنشأ الصراعات في الشركات بين الموظفين، في أي لحظة ولعدة أسباب، من بينها تباين الأهداف وعدم توازن السلطات، ويؤدي عدم إدارة الخلافات بشكل جيد إلى فقدان الثقة وقلة الإنتاجية، وقد يصل الأمر نهايةً لفشل الشركات. ومن أجل عدم تفاقم النزاعات ووصولها إلى حد لا يمكن إصلاحه، ينبغي على المديرين أن يكون لديهم فهم أساسي لاستراتيجيات حل النزاعات بالشركات، وهي عبارة عن إستراتيجيات معروفة: تأجيله أو تجاهله. يأمل الشخص الذي يلجأ إليها في أن تُحل المشكلة من تلقاء نفسها من دون مواجهة. تصبح هذه الإستراتيجية فعّالة، حين لا يكون الموقف مؤثراً تأثيراً كبيراً في العلاقة، وحين تكون المهمة قصيرة الأجل، وليست ذات أهمية لأي من الطرفين.

الاستيعاب: تهدف إلى الحفاظ على العلاقة بين الأطراف، حيث يقوم أحد الأطراف بتقديم تنازلات للطرف الآخر، على أمل تعزيز العلاقات.

التعاون ويحرص فيها جميع الأطراف على إرضاء كل الأطراف الأخرى، ويتم ذلك من خلال دمج أفكار عدة أشخاص، للوصول إلى حل إبداعي مقبول للجميع؛ بما يتوافق مع الخبرات.

وهنا أذكر تعـريفاً طريفاً لها؛ يقول: المعـرفة هي إدراك أن البندورة فاكهة؛ أما الخبرة فتبرز بعـدم وضعـها في سلطة الفواكه.

التنافس: يفوز خلالها أحد الأطراف بتحقيق مطالبه أو أهدافه، بصرف النظر عن رضا الطرف الآخر من عدمه، وتعمل هذه الإستراتيجية بشكل أفضل حين يكون هناك عدد محدود من النزاعات.

قد يكون موافقة الآخر هي حل صعـب؛ لكننا نقسر عـليها؛ للخلاص من الجدل العـقيم في اجتماع جد ممل!

في الختام؛ إذا لم يتم حل النزاع في مؤسسة ما وبشكل ناجع وبسرعـة؛ فإنه يسعـى لخلخلة مفاصل الشركة؛ كيف الحل؟ باستخدام العـقل.. يقول «أوسكار وايلد» ساخراً: (العـقل.. أداة مدهشة؛ يبدأ بالعـمل حالما تستيقظ؛ ولا يتوقف إلا حينما تواجه مشكلة في عـملك!).

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن