أعادت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا أوروبا إلى المسرح الإستراتيجي العالمي الرئيسي، في لعبة الصراع وتنافس النفوذ على صعيد النظام العالمي الجديد الذي بدأت ملامحه بعد نهاية الحرب الباردة وبعدها مع نهاية الأحادية الأميركية.
بعد مرور أشهر ستة ونصف ونيف على اندلاع الحرب الأوكرانية، لا يبدو في الأفق أي احتمال لتسوية سلمية.
اتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الغرب، أخيراً، بخوض حرب بالوكالة في أوكرانيا.
الاتحاد الأوروبي قدم مساعدات بمبلغ 5 مليارات يورو لأوكرانيا، كجزء من حزمة مساعدات تبلغ 9 مليارات يورو، وظهرت خلافات حول الموضوع بين المفوضية وبعض الدول الأوروبية، حيث ترى بعض دول الاتحاد الأوروبي أن تكون المساعدات لأوكرانيا كمنحة مادية، في حين ترى المفوضية أن تكون هذه المساعدات بمثابة قروض ميسّرة. ويعود الخلاف للأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها الدول الأوروبية مع التداعيات المؤلمة للأزمة الأوكرانية منها التضخم والكساد. إضافة لانعكاسات معركة الغاز بين روسيا وأوروبا لكون الأخيرة تعتمد على استيراد الغاز الروسي.
مع استمرار حدة الحرب الأوكرانية بدأت بعض قوى اليمين واليسار الأوروبي تتساءل، ولأسباب متناقضة، عن جدوى الانجرار وراء الموقف الأميركي.
روسيا وجهت إنذاراً للأوروبيين بإقفال أكبر خط لنقل الغاز «السيل الشمالي1» إلى أوروبا، بحجة إصلاحات ضرورية، كما أعلنت موسكو، منذ أيام، أن خط أنابيب «قوة سيبيريا2» يهدف لتزويد الصين بالغاز الروسي، سيحلّ محلّ خط أنابيب «السيل الشمالي2»، الذي بُني لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا.
وأعلنت روسيا نيتها بوقف إمدادات الغاز إلى أوروبا رداً على العقوبات المفروضة من أوروبا على روسيا، بالمقابل قرر الاتحاد الأوروبي خفض الاعتماد على الغاز الروسي والبحث عن مصادر أخرى وأقر الاتحاد خطط الشتاء المقبل لتخفيض استهلاك الطاقة بنسبة 15 في المئة عن استهلاك العام الماضي.
الدول الأوروبية استعادت ذكريات الحرب العالمية الثانية وما دار فيها من معارك جرت أثناء هطل ثلج كثيف مع معاناة البرد القارس يومها.
ألمانيا وفرت 80 في المئة من احتياجاتها من الطاقة خلال الشتاء القادم، وتلوح في الأفق مواجهة سياسية كبيرة، بين المفوضية الأوروبية والشركات، وربما بين الدول، حول المدة التي سيستغرقها الإقلاع عن الغاز الروسي.
من جانب آخر استقبلت أوروبا أكثر من ثمانية ملايين ومئة ألف لاجئ من أوكرانيا، وهو ما يزيد المتاعب الاقتصادية لأوروبا، بالإضافة لذلك فإن عنصر الوقت وحالة الاستنزاف التي تعيشها الدول الأوروبية، كلها تشكل عناصر ضغط على السياسات الأوروبية الراهنة، بغية إنهاء الحرب القائمة، ويؤكد ذلك ما قاله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال كلمته أمام المؤتمر السنوي لسفراء فرنسا، حول ضرورة الانخراط في الحوار مع موسكو، بغية العمل للتوصل إلى حل سياسي للحرب الأوكرانية.
الحرب جعلت شعوباً أوروبية عاشت محايدة، مثل فنلندا والسويد، تخاف على مستقبلها، فتتقدم إلى عضوية حلف شمال الأطلسي.
منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، فرضت الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وحلفاؤهما عقوبات اقتصادية واسعة على روسيا، وتؤكد التقييمات والوقائع أن روسيا لن تكون المتضرر الوحيد جراء فرض العقوبات ومجريات الحرب، بل من المتوقع أن تضرر الاقتصادات الأوروبية أيضاً، من خلال التداعيات التالية:
1- تباطؤ النمو الاقتصادي.
2- تداعيات سلبية على التجارة.
3- تهديد الاستثمارات الأوروبية.
5- التأثير على الأمن الغذائي.
6- ارتفاع معدل التضخم.
7- أعباء استضافة اللاجئين الأوكرانيين.
8- تضرر قطاع الطيران وسياحة.
بالإضافة لما تقدم سيتضرر نشاط التصنيع: لأن روسيا تعد مورداً رئيسياً للسلع الأساسية لأوروبا، لذا فإن انقطاع الإمدادات من هذه السلع، سيترتب عليه تفاقم مشاكل سلاسل التوريد الحالية وتعطيل العديد من الصناعات المهمة في أوروبا.
ختاماً، يمكن التأكيد أن الاقتصادات الأوروبية ستتضرر بشكل كبير إثر العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، مع التوقعات بتراجع النمو الاقتصادي وارتفاع الضغوط التضخمية، فضلاً عن تضرر بعض القطاعات الرئيسية، مثل السياحة والطيران والصناعة، ولاشك أن لأوروبا مصلحة في التوصل لحل سلمي للأزمة الأوكرانية التي سببت لها المزيد من المتاعب المفتوحة الأمر الذي ينقذ أوروبا من حروب مكلفة، لدرجة بدت أوروبا وكأنها تخوض حرباً ضد نفسها في أوكرانيا، بل بدت وكأنها أسيرة أو ضحية للأزمة الأوكرانية.