لصاحبنا المتقاعدِ حكايةٌ مع فصل الصّيف، فهو لا يطيقُ لهيبَ طقسِه، وخاصةً حين يبلغُ الحَرُّ ذروتَه ويبلغ حدّاً لا يُحتمل، ويكاد يخرجُ من جلدِه عندما تضرب موجاتُ القيظ المنطقةَ، بالتّزامن مع انقطاعِ الكهرباء، وازدياد ساعاتِ التقنين، فيسارِعُ إلى مغادرةِ المنزل مُتَّجِهاً إلى حيث تدورُ أجهزة التكييفِ كمقهىً أو مركزٍ تجاريٍّ، فيقبعُ هناك منتظراً على ساعتِه عودةَ التيّار في موعده المفترَضِ فيقفِلُ راجعاً إلى بيته وهكذا.. ، في حين لا تبالي زوجتُه بحرارةِ الصّيف باعتبارها صيفيّةَ المزاج، وتكره كلَّ ما لَهُ علاقةٌ ببرد الشتاءِ وزمهريرِه حتّى وإن اشتدَّ عليها الحرُّ، حينها لا بأسَ من كأسٍ من الماء المثلّج، أو ربّما يكفيها الجلوسُ أمام مروحةٍ صغيرة تتحرّك بإمرةِ البطاريّة، وهذا في أسوأِ الأحوال طبعاً!
ولقد عانى صاحبُنا من زيادةِ مدّةِ التقنين الكهربائي الذي رافقَ وصولَ المنخفضِ الموسميّ الهنديِّ لتبلغَ التغذية ساعةً واحدة مقابلَ خمسِ ساعاتِ قطعٍ، ما جعله يقرّر الخروجَ من البيت مع بداية التقنين والعودةَ إليه حالما ينتهي..
لقد كان صاحبُنا كثيرَ التذمُّرِ والشكوى، يمضي الوقتَ وهو يسبّ ويشتم ويلعن ما آلت إليه الحالُ، وغالباً ما تتطوّرُ عصبيّتُه في معظم الأحيانِ إلى مشادّاتٍ كلاميّةٍ مع زوجتِه التي تعاني منذ عقودٍ من زواجهِما من عسير معاشرتِه، فهو زوجٌ فظُّ القلب متطلِّبٌ، قلّما ينجزُ عملاً بيتيّاً مفيداً ولو من قبيل مساعدتها، فكانت تغادرُ إلى غرفتها إثر كلِّ مشادّة لتبقى وحيدةً منهكةً من عبءِ الطّبخ والغسيل وأعمال التّنظيف، أضف إلى ذلك معاناتَها النفسيّةَ بعد أن اغتربَ ولداها في بلاد اللـه الواسعة.
وذاتَ صباحٍ استيقظ صاحبُنا ليُفاجَأَ بالنّور يتلألأُ من حولِه على غير العادة، ما الأمر؟
تساءلَ في سرِّه؛ الكهرباءُ مشعّة في أرجاءِ البيت خارجَ أوقات التقنين!
وبدأ يسترجعُ ما حدث، لقد نسيَ ذلك المتقاعدُ في عتمة الليلِ قبيلَ إخلادِه إلى النّومِ الضغطَ على القوابس لإغلاقِها.
نظرَ في ساعته بسعادةٍ بالغة، ونهضَ مسرعاً إلى الحمّام ليقومَ بحلاقةِ ذقنه على ضوءٍ باهر والتنعُّم بحمامٍ هانئ.
لكن وللمفاجأة مضت ساعةٌ أخرى خارج زمنِ التقنين ولمّا تنقطعِ الكهرباءُ فتعجَّبَ وتوتّرَ في آن معاً وراح ينظر كلّ دقيقةٍ في ساعتِه وكأنّه يستعدُّ للحظةِ بدءِ التقنين، لكنّ الكهرباءَ مازالت موجودةً فاستعجلَ زوجتَه بكيِّ قمصانه وتشغيلِ الغسالة والتلفاز مع تحضيرِ الفطورِ الصباحيّ فأخبرته أنها استيقظت قبلَ الفجر وغسلت وكوت وحضّرَت كلَّ شيء.
مضى الوقتُ بوجود الكهرباء، ومازال صاحبُنا في البيت مرتدياً ملابسَه الداخليةَ متنعِّماً بتبريدِ المكيِّف وهو يحوصُ ويلوص إمّا رافعاً صوتَ التلفاز وإما متنقِّلاً من غرفة إلى غرفة، يصرخُ على زوجتِه من هنا ويناديها من هناك إلى أن طفح الكيلُ من تحرُّكاته ومن بقائِه في البيت وطلباتِه التي لا تنتهي، فما كان منها إلا أن انتظرت عقربي الساعةِ لينضمّا معاً عند منتصفِ النهار فتسلَّلت حافيةَ القدمين إلى عدّاد الكهرباء فأنزلتِ القابسَ معلنةً انقطاعَ الكهرباء عن البيت.
وسرعان ما عاد صاحبُنا للشتيمة والسباب وانتفض من مكانه وتوجَّه إلى خزانة الثياب وأخرجَ بنطالاً وقميصاً ليرتديَهما مسرعاً ويغادرَ المنزل قائلاً لزوجتِه: لقد زادوا اليومَ علينا بضعَ ساعات إضافيةٍ من النور ولابدّ سيستردّونها بطريقةٍ ما! لذا سأغادر البيت ولن أعودَ قبل أن تتّصلي بي وتعلميني بعودتِها.
قالت له وهي تخفي ابتسامتَها: من التي ستعود؟
قال: تلك الملعونة الكهرباء!!
قالت: على اللـه تعود على الله!
وذهبت إلى فراشِها تنعمُ بساعة نومٍ هانئة، معاهدةً نفسَها على عدمِ إعادة القابس إلا بعد انقضاءِ معظم ساعاتِ المساء فهي في أمس الحاجة أن تخففَ عن نفسِها التعبَ النفسيَّ ووطأةَ الجدالِ المستمرِّ مع زوجها المتقاعد….!
وما كادت ساعةٌ من الزمن تمضي حتى استيقظَتِ الزوجةُ على قرعِ الباب لترى زوجَها بصحبةِ ورشةٍ لتركيب الألواح الشمسيّة ولينتهيَ معها في اللحظة عينِها حلمُها بنومٍ هانئ وهادئ،
أمّا المريرُ المفاجئ في الحكاية، فهو طلبُه أن تهبَ له الأسوارتين اللتين تزيّنان معصمَها ليتمِّمَ ثمنَ تركيب الألواحِ بعد أن سدّدَ مقدَّماً دفعةً على الحساب.