رياضة

الدوري الكروي الممتاز زمن الاحتراف الأعوج … الأندية واقعة تحت سندان الفقر ومطرقة الداعمين .. الإفلاس الكروي أرخى بظلاله السوداء على الدوري

| ناصر النجار

يتوقف الدوري الكروي الممتاز حتى نهاية الشهر الحالي مواكباً التوقف الدولي للنشاطات المحلية بسبب ما يسمى أيام الفيفا التي تخصص لمباريات المنتخبات الوطنية على الصعيدين الرسمي والودي، ويستغل منتخبنا الوطني هذا التوقف ليشارك بدورة الأردن الودية، حيث سيلعب مع منتخبها، والمباراة الثانية ستكون مع عُمان أو البحرين حسب ترتيبات الدورة، والمشاركة مفيدة لتحريك الجمود في منتخبنا ولعلها تكون فاتحة خير لتحسين التصنيف الدولي والآسيوي.

وعودة على البدء فإن الدوري الكروي في نسخته الأخيرة الـ52 أنهى أسبوعين من الذهاب وواجه في بدايته بعض التعثر بأحداث طارئة فرضت عليه بداية غير مثالية، فتأخر انطلاق الدوري أسبوعاً، ثم جاءت قضية نادي الجزرة لتضعنا أمام أسوأ مشهد كروي ينم عن سوء الإدارة والتصرف على كل الصعد، ويدل على أن كرتنا ليست بخير على الصعيد الإداري وعلى الصعيد التنظيمي قبل الحديث عن المستوى الفني.

وقضية نادي الجزيرة وطريقة معالجتها وقد طال الحديث عنها تدل على هشاشة الفكر الذي يقود أنديتنا وعلى سوء التصرف تجاه هذه القضايا وما فيها من مفردات وتفاصيل، لتضعنا أمام مزيد من التشاؤم بدخول عالم الاحتراف الصحيح المقرون بمنهج علمي يضع كرتنا على سلم الصعود إلى الأعلى، ولكن نأبى إلا أن ندور في حلقة مفرغة لندور حول أنفسنا في حركة دائمة لا تجدي نفعاً ولا تنتج ثمراً يانعاً.

وبغض النظر عن الأسباب والمسببات فإن صورة (لي الذراع) قد تفتح الباب مجدداً أمام أندية أخرى لتملي شروطها مقابل المشاركة بالدوري (أي دوري) وهذا الباب إن فتح فلن يستطع أحد إغلاقه لأن أغلب أنديتنا واقعة تحت العجز المالي وهو ما نراه ماثلاً أمامنا بأندية الدرجة الممتازة التي تتمتع بالاستثمارات والجماهير والداعمين وربما الشركات الراعية، فكيف بأندية الدرجة الأولى التي لا تملك ثمن المواصلات؟ ناهيك عن فرق الشباب والقواعد.

القضية ليست حالة نادي الجزيرة وقد تكون استثنائية ولها خصوصيتها، ولكنها تلقي الضوء على واقعنا الكروي الهش!

ومن الصعب إصلاح الواقع الكروي وهو جزء من منظومة رياضية تعاني الكثير من العقبات والعثرات التي أهمها الاضطراب الإداري وعدم الاستقرار لأن العقلية التي تسيطر على مقاليد العمل تدفع الأمور إلى الأمام وترجئ الحلول للزمن بغياب التخطيط السليم والإستراتيجية والخطط التي يمكنها مواجهة الأزمات وفي أهمها الأزمة المالية، لذلك انكشف المستور وتبين أن كرتنا تفتقد لما يسمى إدارة الأزمات فسقطت أمام (تغوّل) السوق، ولم تعرف كيف تواجه التضخم الاقتصادي، فسقطت في مستنقع الديون لسوء التخطيط والإدارة معاً.

وعلينا اليوم مراقبة الأندية الكبرى لنجدها تئن تحت مطرقة العوز، حتى إن تشكيل الإدارات بات يتجه نحو (مَن يدفع) بغض النظر إن كان من أهل الرياضة أو لم يكن من أجوائها، فالحاجة تقتضي البحث عمن يشيل الأندية ويحمل همومها المالية وينفق عليها، وهذا هو الحال الذي لا يغني ولا يسمن من جوع، لأنه حال مؤقت لا يدوم، ولأنه يتعارض مع كل النظريات الكروية التي تؤمن بالبناء والتطوير.

معول الهدم

على النقيض نجد أن المال في بعض الأندية بات معول هدم بدل أن يكون أداة بناء، وهذا ما نشاهده اليوم في نادي الفتوة على سبيل المثال، ففي أسعار السوق يعتبر نادي الفتوة الأغنى حالياً، وفريقه الأكثر قيمة سوقية، وما تقوم به إدارة النادي وداعموها من خلفها يستحقون الشكر على ما يبذلونه من مال في سبيل النادي وقد وضعوا هدفهم بطولة الدوري وهو أملهم ومطلب جماهيرهم، ولكن هذا لا يكفي، وهو رأي خاص، والسبب في ذلك هو الهدف القريب والهدف البعيد.

المطلّع على خفايا نادي الفتوة وتفاصيله الداخلية يجد أن النادي لم يحدد الأهداف البعيدة، ولم يعمل من أجل المستقبل وهذا أمر خاطئ بالمطلق وإن فاز بكل البطولات هذا الموسم، والخطأ يكمن في نقاط ثلاث، النقطة الأولى، اشترت إدارة النادي فريقاً كاملاً من مختلف الأندية السورية بعقود متفاوتة ومدة متفاوتة أيضاً لدرجة أن أبناء النادي لم يجدوا مكاناً لهم في ناديهم إلا القلة القليلة، والمسيطر على المشهد اليوم هو المال، ولضمان الاستمرار لابد من استمرار تدفق المال، وإذا انقطع المدد، انتهى العمل لأن الفتوة لا يقوم على بناء ثابت وموارد ثابتة، بل إنه يعيش على الهبات والمساعدات، فضلاً عن أن العقود تحتاج إلى تجديد مع كل موسم أو موسمين، أي إن إدارة النادي بحاجة إلى الكتلة المالية ذاتها لتحافظ على مكانتها مع التذكير بالزيادات المتوقعة على الأسعار، فهل يستطيع الفتوة الاستمرار على شاكلة الموسم هذا؟

النقطة الثانية: الاهتمام بفريق الرجال أمر ضروري، لكن أن يكون كل الهم والاهتمام له، فهو أمر غير محمود، لأن النادي بحاجة إلى دماء جديدة، وبحاجة إلى قاعدة صلبة يبنى عليها مستقبله وأحلامه، وإذا علمنا أن عقد لاعب واحد يكفي لبناء عشرة فرق من القواعد لوجدنا أين مكمن الخطأ وخصوصاً أن قواعد النادي تئن وتشتكي من الإهمال وهذا ليس خافياً على أحد.

النقطة الثالثة: لا يملك نادي الفتوة أدنى مقومات الاحتراف إلا الكتلة المالية التي وضعها الداعمون، ولو أن جزءاً من هذه الكتلة خُصص للمشاريع الصغيرة لأدخل على النادي ريعاً ثابتاً قادراً على سد الكثير من الثغرات التي يمكن أن تحدث مستقبلاً، وفي هذا الخصوص نقول: إن نادي الفتوة مهما طال به الزمن أو قصر سيعود إلى دير الزور موطنه الأصلي، أليس من المفترض أن تقوم إدارة النادي بالتهيئة لهذه العودة من خلال إقامة المشاريع والاستثمارات ليجد أبناء النادي كل شيء جاهزاً عند عودتهم؟

لكن السؤال الذي يطرح نفسه: إلى متى ستبقى أنديتنا تعيش تحت مطرقة المال وسندان الداعمين؟ وبهذه الطريقة التي تعيش عليها أنديتنا لن نجد رياضياً واحداً قادراً على قيادة ناد في ظل هيمنة المال، ولو اجتمع الفكر الرياضي مع الفكر الإداري والمالي لحصلنا على رياضة محترفة بامتياز.

التخبط والاضطراب

أنديتنا كلها تعيش زمن التخبط والاضطراب وعدم الاستقرار، فلا إدارات ثابتة، والتغييرات مستمرة على مدى العام، وقلما نجد إدارة ناد حافظت على وجودها لمدة عام كامل، وهذا كله يجعل الأندية في فوضى عارمة لأن من يفقد الاستقرار يفتقد المنهجية والخطط الطويلة الأمد، لذلك نجد أن أغلب أنديتنا عملها آني لأنها تعرف أنها مؤقتة.

ولنا في نادي حطين خير مثال حيث تعاقب على إدارته في الموسمين الماضيين أكثر مما تعاقب عليه من إدارات في عقدين من الزمن لدرجة أن الرياضيين باتوا يهربون من تسلم أي مسؤولية في النادي لأن وضع النادي غير سليم، ومثل حطين أغلب الأندية، والفرق بين ناد وآخر هو وجود المال فقط.

الأندية التي تملك استثمارات فإن هذه الاستثمارات باتت غير كافية لتغطية نفقات كرة القدم، وفي ذلك أسباب كثيرة لا مجال لذكرها الآن، لكن هذه الأسباب تنعكس سلباً على النادي بكل ألعابه ومكوناته وليس في كرة القدم وحدها.

ومثالنا هنا نادي الوحدة، فمع تعاقب الإدارات تغيرت المناهج والأفكار والخطط، وأنفق المال حسب هذه الأفكار المتباينة من إدارة لأخرى لدرجة أن الإدارة الحالية لم تجد المال الكافي لبناء فريق منافس قادر على أن يكون بين كبار الدوري كما هو متوقع.

إفلاس الدوري

لنكن واقعيين ونعترف أن الدوري الكروي بات مفلساً رغم ما يُضخ فيه من مال، فهو مفلس باللاعبين، وفي إحصائية بسيطة نجد أن لاعبي النخبة حُشرت في خمسة أندية فقط، لكن الكارثة التي يجب أن نعترف بها وأن ندركها أن أغلب لاعبي النخبة تجاوزوا سن الثلاثين وباتوا على أبواب الاعتزال من دون أن يكون هناك البديل المناسب.

وأبرز مساوئ كرتنا العقم الهجومي وفي إحصائية بسيطة لم نجد وفرة الأهداف في المباريات التجريبية التي عادة ما تشهد أهدافاً كثيرة لأن مدربي هذه المباريات تجرب لاعبيها وأساليب اللعب.

وللأسف فإن أغلب المباريات كانت سلبية النتيجة أو انتهت بفارق هدف 1/صفر أو 2/1، وهذا مؤشر خطير جداً يلقي بظلال سوداء على مستقبل كرتنا.

وهذه النقطة هي حصيلة ما سبق أن تحدثنا عنه من سوء الإدارة والتخطيط فإهمال القواعد، وإهمال البناء أفقد الأندية المعين وجفف النبع، ولا تتحمل الأندية وحدها مسؤولية ما يحدث، بل إن القوانين الكروية الاحترافية الناقصة ساهمت في ذلك بشكل كبير.

أهم قانون احترافي خاطئ هو (العقد شريعة المتعاقدين) وهذا لا يصلح في كرتنا لأنه ساهم في رفع الأسعار بغياب الضوابط.

الضوابط يجب أن تحدّ من الاحتراف الداخلي، فالأندية لم تعد تهتم بلاعبيها وقواعدها وبات اهتمامها منصباً على لاعبي الأندية الأخرى، ما أفقد هذه الأندية قاعدتها من اللاعبين من أبناء النادي الذين تفرقوا أيضاً في الأندية وبات من الصعب استرجاعهم وخصوصاً إذا كان النادي في ضائقة مالية كما حدث مع فريق الوحدة هذا الموسم عندما هجره أغلب لاعبيه ولم يستطع تعويض غيابهم فاضطر مكرهاً للاستعانة بشباب الفريق وعلى مبدأ (رب ضارة نافعة) فإن ما يحدث مع الوحدة اليوم سيكون له مفيداً في المستقبل لأن هؤلاء الشباب إن لقوا العناية المفترضة فسيكونون قوام الفريق الجاهز في المستقبل.

من الصعب تحديد أجور اللاعبين وعقودهم لأن إدارات الأندية لن تستجيب لذلك، وربما وقعت ما ترغب من عقود من تحت الطاولة، لكن يمكن سن قوانين تجبر الأندية على العناية بقواعدها وأبناء النادي من خلال عدم السماح لأي ناد بالتوقيع مع لاعبين تجاوزوا الثلاثين سنة باستثناء ثلاثة لاعبين وفرض مشاركة عدد معين من اللاعبين الشباب مع فرق الرجال، وربما فكرة إنشاء فريق تحت 23 سنة التي اقترحها اتحاد كرة القدم قد تكون فكرة صائبة إن أحسنت الأندية التنفيذ.

تراخيص الأندية

عود على بدء، إذا أخذنا قضية الجزيرة بالحسبان وخشية أن تتكرر سواء بالدوري الممتاز أم بدوري الدرجة الأولى فإن ضرورة التوجه إلى موضوع تراخيص الأندية باتت مطلباً ملحاً كما هو معمول به في كل دول العالم وكما هو أحد شروط الاتحاد الآسيوي، والتراخيص المحلية يجب صياغتها بما يتفق مع الوضع القائم، بحيث يتم وضع شروط لمشاركة أي ناد في الدرجة الممتازة، ولا يكفي هنا تأهل النادي من الدرجة الأولى ليكون في عداد الممتاز إن لم يحز الترخيص الممتاز ومثله أندية الدرجة الأولى، وعلى ذكر دوري الظل فقد تناهى إلى أسماعنا أن العديد من فرقه لم تبدأ حتى الآن فترة التحضير ولم تبدأ رحلة البحث عن لاعبين لعدم وجود المال المناسب مع العلم أن دوري الدرجة الأولى بات على الأبواب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن