في جنازة مخطط لها منذ عقدين وطغت عليها العاطفة الشعبية الممزوجة بأبهة التقاليد الملكية البريطانية … إليزابيث الثانية ترقد في مثواها الأخير بعد وداع تاريخي مهيب
| وكالات
رقدت ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية في مثواها الأخير في مدفن كنيسة سانت جورج في قصر ويندسور، بعد وداع مهيب ومملوء بالعواطف تكريماً لذكرى ملكة حظيت بشعبية عالمية.
وبعد مراسم أخيرة في ويندسور بمشاركة 800 شخص، ووريت الملكة مساء أمس في مراسم عائلية مغلقة في المدافن الملكية، وفق ما ذكرت وكالة «أ ف ب».
قبيل ذلك كسر كبير أمناء البلاط عصاه ليضعها على النعش في خطوة رمزية للدلالة على انتهاء عهدها، لتغيب بعدها إليزابيث الثانية عن الأعين إلى الأبد، وهي التي لطالما اعتلت الابتسامة وجهها وتحلّت بالهدوء لتصبح أيقونة المملكة بعدما اعتلت العرش لمدة 70 عاماً وسبعة أشهر ويومين.
واختتمت المراسم بعزف النشيد الوطني البريطاني، ولم يتبق للعائلة سوى فرصة أخيرة لوداع الملكة قبل مواراتها بجوار ذويها وشقيقتها مارغريت وزوجها الأمير فيليب الذي توفي في نيسان 2021 والذي استمر زواجها منه 73 عاماً.
وانتهت الرحلة الأخيرة للملكة التي توفيت في الثامن من أيلول عن 96 عاماً في بالمورال، مقر إقامتها في اسكتلندا، وقد عبر نعشها أراضي المملكة بالسيارة وبطائرة تابعة لسلاح الجو الملكي وبعربة يجرّها بحارة وأيضاً أحصنة خلال مسيرة راجلة طويلة.
في إدنبره ومن ثم لندن، انتظر مئات آلاف الأشخاص ساعات، وأحياناً طوال الليل، لإلقاء النظـرة الأخيـرة علـى نعـش الملكة وهي الوحيدة التي يعرفها أغلبية البريطانيين إذ تحمل عملتهم صورتها وكذلك الطوابع، كما يعرفهـا العالم أجمــع.
انطوت صفحة من التاريخ برحيل الملكة إليزابيث الثانية التي لطالما حرصت على أداء واجباتها من دون الإدلاء بمواقفها علنية، وشغلت منصبها بجدية وحرص وبحس من الفكاهة، أحياناً لا يقاوم.
وعلى غرار الأيام الإثني عشر التي تلت رحيلها، طغت على اليوم الأخير العاطفة الشعبية التي امتزجت بأبهة التقاليد الملكية البريطانية، علماً أن الجنازة مخطط لها منذ عقدين.
ودخل نعش إليزابيث الثانية إلى كاتدرائية ويستمنستر بعدما نقل على أنغام مزامير القربى وقرع الطبول، عزفها عناصر من البحرية الملكية من قصر ويستمنستر حيث كان مسجى منذ خمسة أيام.
وحمل النعش الملفوف بالراية الملكية والذي يعلوه تاج الإمبراطورية ثمانية عناصر من الحرس الملكي ووضع على عربة مدفع في مسيرة إلى كاتدرائية ويسمتنستر.
ووصل النعش في مسيرة ومشى وراءه نجلها الملك تشارلز البالغ 73 عاماً وأبناء الملكة الآخرون أن واندرو وادوارد ووريث العرش وليام الذي بات أمير ويلز والأمير هاري باللباس البني نظراً إلى انسحابه من نشاطات العائلة الملكية في 2020.
وانضمت إليهم داخل الكاتدرائية قرينة الملك كاميلا وزوجة وليام أميرة ويلز كايت وميغن زوجة الأمير هاري. وقد مشى الأمير جورج (تسع سنوات) والأميرة شارلوت (سبع سنوات) طفلا الأمير وليام وراء نعش الملكة لدى دخوله الكاتدرائية.
وانتهت المراسم على وقع نشيد الموت «لاست بوست» الذي يعزف لتكريم الجنود الذين سقطوا في المعارك، وبدقيقتي صمت في كل أرجاء البلاد ومن ثم النشيد الوطني الجديد «غاد سايف ذي كينغ» أي «ليحفظ الرب الملك».
ونقل جثمانها عبر شوارع لندن بمشاركة ستة آلاف جندي وبمواكبة الحرس الملكي بالزي الأحمر وخوذ الفرو السوداء، واحتشد الآلاف على طول المسار المؤدي إلى القصر لوداع الملكة الراحلة بالورود والتصفيق والدموع.
ووصل إلى كنيسة سانت جورج عبر ممر «لونغ ووك» الرائع المؤدي إلى قصر ويندسور.
وكانت إليزابيث قد انتقلت إلى القصر الواقع في غرب لندن عندما كانت لا تزال أميرة خلال الحرب العالمية الثانية وقضت فيه أغلبية أوقاتها في السنوات الأخيرة.
وتدهورت صحة الملكة في الأشهر الأخيرة إذ عانت صعوبات في التحرك، وقبل يومين من وفاتها، ظهرت في آخر صورة لها قبل رحيلها مبتسمة لدى استقبالها رئيسة الوزراء الجديدة ليز تراس.
وكانت أكبر قادة العالم سناً، إذ خلال حياتها عرفت الحرب العالمية الثانية وشهدت انهيار الإمبراطورية البريطانية، ودخول المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي وخروجها منه.
بعد زيارات منهكة استمرت 12 يوماً في الأقاليم الأربعة التي تتشكل منها المملكة المتحدة، وتخللها الاختلاط بالجموع، يضاف إليها الحزن الناجم عن فقدان والدته، يبدأ تشارلز الثالث البالغ 73 عاماً عهده فعلاً.
وكان البعض يحلم بعملية انتقالية سريعة مع أمير ويلز الجديد نجله وليام البالغ 40 عاماً، لكن تشارلز الثالث وعد على غرار والدته، بخدمة أبناء المملكة المتحدة طوال حياته.
وارتفعت شعبيته بشكل كبير وباتت عند مستوى 70 بالمئة على ما أظهر استطلاع جديد للرأي أعده معهد «يوغوف» فيما حصل وليام على 80 بالمئة، إلا أن التحديات الكثيرة لا تزال في بداياتها.
وتعود الحياة إلى طبيعتها في المملكة المتحدة الثلاثاء ويتوقع أن تحتل أزمة غلاء المعيشة والإضرابات صدارة الصحف.