قضايا وآراء

أوروبا.. «نار واشنطن ولا جنّة موسكو»

| هديل علي

صفعات موجعة توجهها موسكو إلى الغرب وخاصة أوروبا التي تلهث لتنفيذ سياسات واشنطن، على حين تهمل بشكل واضح مصالحها الوطنية، والحديث هنا عن الصفعات التي تخص الشق الاقتصادي، فأوروبا تغامر بالبقاء دون صناعة وهي التي تشكل إحدى أهم روافعها الاقتصادية، حيث إن إيقاف المصانع سيحول الدول الأوروبية إلى دول فاشلة اقتصادياً، وبالتالي فاشلة سياسياً.

الضربة الأبرز التي وجهت للغرب كانت من خلال قمة شنغهاي التي أخذت أبعاداً واسعة واستثنائية، وحازت اهتمام زعماء دول المنظمة والدول المراقبة فيها وخاصة الرئيس الصيني شي جين بينغ الذي كان حضوره الشخصي كأول رحلة له خارج البلاد منذ تفشي جائحة كورونا، وهذا مؤشر حقيقي إلى الأهمية، وكان اللقاء الثنائي الذي عقده مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هامش القمة، والذي أثبت أن الصين هي البديل العملاق لأوروبا لتسويق الغاز الروسي عبر ما يسمى خط غاز «قوة سيبيريا 2»، والذي اتفقت شركتا «غازبروم» الروسية وشركة «سي أن بي سي» الصينية على تحويل مدفوعات الغاز المورد عبره إلى الروبل واليوان، ويؤكد ذلك المسؤولون الروس صراحة، فعندما سُئل وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك في مقابلة مع قناة «روسيا 1» عمّا إذا كانت روسيا بصدد تبديل إستراتيجيتها في مجال تصدير الطاقة من خط أنابيب «السيل الشمالي 2» الأوروبي إلى «قوة سيبيريا 2» الآسيوي؟ فأجاب «نعم».

الخط الجديد وقع عقده في شباط من العام الحالي 2022 بهدف تصدير الغاز عبر منغوليا في الشرق الأقصى من شبه جزيرة يامال في سيبيريا التي تضم أكبر احتياطيات للغاز في روسيا إلى الصين، حيث سيكون بمقدور الخط الجديد نقل قرابة 50 مليار متر مكعب إضافية بمعدل سنوي من الغاز، ليشكل هذا المشروع الأساس والمحور الجديد في العلاقات بين موسكو وبكين، مع العلم أن خط أنابيب «قوة سيبيريا» الحالي، الذي يصل من روسيا إلى الصين، قد ‏جرى تدشينه في نهاية 2019 وتبلغ سعته السنوية 61 مليار متر مكعب. ‏

إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتحكم تماماً بمسألة الطاقة ويخير الغرب بين مصالحه الحقيقية أو الموت فداء لرغبة أميركا، وقالها في قمة شنغهاي: «فليفكر الغرب في مصالحه ويفعل ما يريد»، لأنه يعي تماماً أن مصالحه هي مع روسيا، وهو أمر يزعج واشنطن التي تفكر في إزالة أوروبا من الخريطة السياسية الجديدة للعالم واستبعادها من نظام التعددية القطبية وإبقائها تابعاً هزيلاً ينفذ الأجندات الأميركية، ولكن أوروبا رمت كل بيضها في السلة الأميركية وفضلت «نار واشنطن على جنّة موسكو».

قمة شنغهاي أحد أهم الأحداث العالمية التي جرت إلى الآن في هذا العالم وهي في حقيقتها تعبير روسي صيني عن الحاجة إلى تكتل اقتصادي ينافس أميركا، وخاصة أن دول المنظمة تمثل نحو 60 بالمئة من مساحة أوراسيا، ويقطن فيها نحو 50 بالمئة من سكان العالم، وتشكل أكثر من 20 بالمئة من ناتجه الاقتصادي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن