نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون العراق وإيران جنيفر جافيتو، قالت في مقابلة مع موقع «المونتيور» الأميركي في 15 أيلول 2022: إن «واشنطن تراقب ما يحدث في العراق عن كثب، وإنها شعرت بالفزع بسبب العنف الذي حدث قبل أسبوعين».
نعم، الإدارة الأميركية أصابها الفزع، ليس من قيام أنصار التيار الصدري باقتحام مقر رئاسة الوزراء ومبانٍ حكومية داخل المنطقة الخضراء في الـ29 من آب الماضي، والذي أدى إلى صدامات مسلحة عنيفة مع القوات المكلفة حماية تلك المقرات متسبباً في مقتل 30 شخصاً وإصابة أكثر من 700 آخرين بجراح، بل كان الفزع والخوف من توقف إمدادات النفط لأميركا والغرب لبضع ساعات، إثر قيام أنصار التيار الصدري بإغلاق منشآت نفطية في محافظات البصرة وميسان وذي قار، إضافة إلى إغلاق ميناءي أم قصر وخور الزبير في البصرة اللذين يُصدَّر معظم النفط العراقي منهما، مانعين دخول العاملين إلى تلك المنشآت، على خلفية الأحداث الدامية التي جرت في المنطقة الخضراء، ومن ثم قيام السلطات الأمنية في محافظة البصرة بإغلاق حقول النفط في القرنة احترازياً خوفاً من حصول تعديات عليهما، بعد أن قام أنصار التيار الصدري بإغلاق مبنى محافظة البصرة ودوائر حكومية أخرى.
ما حصل كان السبب الرئيس في الزيارة الطويلة التي قامت بها مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف للعراق، خلال الفترة 4-8 أيلول الجاري، والتي أجرت خلالها لقاءات منفصلة في بغداد مع الرئاسات الأربع: الجمهورية ورئاسة الحكومة والمجلس النيابي والقضاء الأعلى، وأيضاً مع مستشار الأمن القومي ووزيري الخارجيَّة والنفط، إضافة إلى لقائها رؤساء تيار الحكمة عمار الحكيم، وائتلاف النصر حيدر العبادي، والحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني في أربيل.
وخلال اليوم الذي انشغل فيه قادة القوى السياسية العراقية في الـ5 من أيلول 2022، بحضور المؤتمر الثاني للحوار الوطني، تلبية لدعوة رئيس مجلس الوزراء المنتهية ولايته مصطفى الكاظمي، في محاولة لإنهاء الجمود السياسي الذي يعيشه العراق، بحضور الرئاسات الثلاث، وممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت، التقت باربرا ليف، عدداً من الوسائل الإعلامية، لتقول: إن «واشنطن والأمن القومي ووزارة الخارجية والدفاع وآخرين، تتابع المشهد العراقي بدقة، وما جرى من أحداث في الأسبوع الماضي يدل على وصول المشهد السياسي إلى حافة الهاوية»، مشيرة إلى أن «زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لديه أصوات وجمهور كبير، وأن صوته مع القيادات الأخرى ضروري ويجب سماعه والإصغاء له، وبخلاف ذلك سيتم دفع البلد إلى الهاوية»، داعية قادة العراق إلى «اتخاذ القرار وجلوس جميع القيادات سواء أكان الحل من خلال حكومة انتقالية أم انتخابات جديدة أم حكومة جديدة».
مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف، أفهمت القادة العراقيين، أن الإدارة الأميركية لن تسمح لأحد بـتهديم أو زعزعة العملية السياسية الجارية، مهما كانت الأسباب، وليبقى الحال على ما هو عليه، فتغيير النظام الذي أسست له أميركا ليس وارداً، وأن عليهم الاستماع لمقتدى الصدر، وترتيب الأمور «سواء أكان الحل من خلال حكومة انتقالية أم انتخابات جديدة أم حكومة جديدة»، لتلافي أي انهيار أمني أو سياسي في العراق.
الخط البياني لصادرات النفط العراقية سجل تصاعداً ملحوظاً خلال الأشهر الأخيرة بوصول معدلات الإنتاج إلى 4.651 ملايين برميل يومياً من النفط الخام خلال شهر آب الماضي، وهو أعلى مستوى لصادرات العراق النفطية منذ 50 عاماً، وذلك لسد احتياجات السوق العالمية من النفط بعد قرار عدم اعتماده على النفط الروسي.
الخوف والفزع الأميركي، كان من إمكانية أن تتسبب الاضطرابات السياسية المتصاعدة في العراق في إلحاق أضرار بالغة في قطاع النفط وانخفاض معدلات صادراته النفطية، وتقلصها بنحو مليون برميل باليوم. ما يتطلب ضرورة معالجة الوضع السياسي القائم بأقصى سرعة لضمان استمرارية صادرات النفط، فتوقف صادرات العراق النفطية أو انخفاضها سيفاقم مشكلة ارتفاع أسعار النفط عالمياً، بسبب الحرب في أوكرانيا والعقوبات على روسيا والعلاقات النفطية العالمية غير المستقرة مع السعودية والإمارات، وأميركا ليست مستعدة لأن تضيف إلى ذلك ما يجري في العراق، ما يدفعها إلى الضغط من أجل التهدئة واستقرار الوضع في العراق.
بركات السيدة باربرا ليف، بانت سريعاً في التحولات الواضحة في مواقف شركاء مقتدى الصدر في «تحالف إنقاذ وطن» الحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة، برفضهما طلب الصدر تقديم استقالة جماعية لنوابهما، لإسقاط شرعية المجلس النيابي، معلنين التزامهما بتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات، تمهيداً لإجراء انتخابات نيابية مبكرة، بعد أن كانا يعرقلان ذلك.
البركات ستتوالى، وليحيا «تحالف إنقاذ النفط».