ثقافة وفن

نصير شورى من كلية فنون القاهرة إلى مرسمه في دمشق … كان شغوفاً بالفن الحديث وتطوراته مع حب الانطباعية .. شارك في المعرض السنوي منذ عام 1950 بشكل دائم

| سعد القاسم

في عام 1942 انضم نصير شورى إلى الجمعية العربية للفنون الجميلة التي ولدت من مرسم فيرونيز، وكان بين أعضائها من التشكيليين سعيد تحسين وجميل كواكبي ووصفي جاكوش. وشارك بأعماله في معارض عدة. وفي العام التالي سافر إلى إيطاليا لدراسة الفن، إلا أنه حوّل وجهته إلى القاهرة لدراسة الفن في مدرسة الفنون الجميلة الملكية (حالياً كلية الفنون الجميلة) بسبب الصعوبات الناجمة عن الحرب العالمية الثانية. وفي القاهرة تزامل مع ناظم الجعفري، وأنشأ مع عدد من زملائه مرسماً خاصاً، وشارك في عدة معارض.

في كتابه (منعطف الستينيات في تاريخ الفنون الجميلة في سورية) تحدث الناقد عبد العزيز علون عن تجربة شورى في القاهرة، وتأثيرات أساتذته حيث كانت الانطباعية تطغى على أسلوب التدريس وميول المدرسين عامة بدءاً من يوسف كامل رئيس قسم التصوير فكتب:

«كان عبد العزيز خالد درويش معيداً، وكان أحب المدرسين إلى قلب نصير وهو فنان انطباعي مولع بالطبيعة لذلك اقترب نصير منه وتتلمذ على يديه وارتبط معه بصداقة جعلت الفنان درويش يستقبل نصير في مرسمه ومنزله ويزوره في دمشق أكثر من مرة بعد التخرج، وتعرّف نصير أيضاً على الأستاذ كامل مصطفى الذي كان مهتماً بالمناظر الكلاسيكية الحديثة. وكان نصير شغوفاً بالفن الحديث وتطوراته التي وقعت في أواخر القرن التاسع عشر، فمع حبه للانطباعية كان يتردد على مرسم الفنان الأرمني كرابيتيان وهو من أتباع سيزان ويسمع لآراء هذا الفنان المستخف بكلية القاهرة الانطباعية وبقوانين تحليل الضوء في الانطباعية، وعرض في عام 1945 مع مشاهير الفنانين المصريين في المدرسة العلمانية الفرنسية بتشجيع من الأستاذ جيرمان المشرف على صالة هذه المدرسة».

التدريس والفن

بعد تخرجه عام 1947 عاد إلى دمشق وعمل مدرساً في المدارس الثانوية وفي دار المعلمات كما افتتح مرسمه الخاص عام 1948 مستقبلاً فيه المواهب الشابة معلماً ومشجعاً، واستقبل أيضاً الفنانين السوريين والأجانب فأقام فيه الضيوف منهم كصليبا الدويهي من لبنان، وميركو بوشاشا من يوغسلافيا الذي تعرف على معلولا بواسطة شورى وأقام معرضاً خاصاً لمشاهدها في بلغراد. ويُعّدُ هذا المرسم الذي كان قائماً في منطقة (أبورمانة – قريباً من ساحة النجمة) من أقدم المراسم الخاصة في دمشق، وكان أشبه ما يكون بمركز ثقافي يلتقي فيه الفنانون والأدباء والموسيقيون والفلاسفة والشعراء. وبعد رحيله حولت زوجته الفنانة بهية نوري المرسم إلى صالة عرض تحمل اسمه، كان لها حضورها الهام في الحياة التشكيلية لمدينة دمشق خلال سنوات التسعينيات من القرن العشرين.

المعارض الأولى

شارك شورى في المعرض الأول للفنانين السوريين الذي أقامته وزارة المعارف السورية (حلت محلها اليوم وزارتا التربية والتعليم العالي) في مدرسة التجهيز الأولى (ثانوية جودت الهاشمي) عام 1947، كما شارك في معرض الفنانين العرب الذي أقيم في قصر (الأونسكو) ببيروت بإشراف جامعة الدول العربية عام 1948. وكان مشاركاً دائماً في المعرض السنوي الذي كان يقام سنوياً منذ عام 1950، وأكثر فنان نال جوائز منه، ففي المعرض الأول نال الجائزة الثانية بالتشارك مع الفرد بخاش وميشيل كرشه، وفي المعرض الثاني (1951) نال أيضاً الجائزة الثانية مناصفة مع رشاد قصيباتي، وفي المعرض الثالث (1952) نال الجائزة الثالثة، وفي المعرضين الرابع والخامس (1953و1954) نال الجائزة الأولى، وفي المعرض السادس (1955) الجائرة الثانية. وبذلك يكون قد نال ست جوائز خلال دورات المعرض الثماني التي أعُتمد فيها نظام الجوائز.

شهادة مبدع

أحد أقدم النصوص التي نشرت عن نصير شورى مقالة صحفيه لصدقي إسماعيل عام 1950 عن معرضه استعرض فيها صدقي إسماعيل تجربة الفنان وقارنها بتجارب عالمية، وأوجد العذر له بتأثره بأكثر من واحدة منها «لأن الفنان في بلادنا لا يزال غريباً عن أي تيارات فنية محلية، وحيداً مع ريشته والإنتاج الغربي». ومع ذلك لا يندفع صدقي إسماعيل باتجاه إعداد وصفة جاهزة يطالب الفنانين الالتزام بها كما فعل أدباء كثيرون، وإنما يناقش بعقلية المثقف المتنور الأساس المتين لإنتاج فن يبرز شخصية الفنان، ويراه في «استقلال فن التصوير كتعبير باللون والشكل والنور، عن كل شيء سواه، وهذا الاستقلال يقتضي أن يهتم الرسامون منذ البدء بالتعبير عن إحساسهم بالعالم الخارجي، وشعورهم بالمواضيع التي يرونها، قبل أن يفكروا بتوجيه الرسوم، أو الجنوح للخيال، أو التعبير عن الأفكار، أو محاولة تصوير الواقع بقصد الانتقاد، أو التمجيد».

نشر صدقي إسماعيل مقالته تحت عنوان تمهيدي يقدم سببها: (حول معرض الأستاذ نصير شورى)، وعنوان رئيسي يحدد غايتها: (لكي يخلق الرسامون نهضة فنية يجب أن يسلكوا وسيلة التعبير الحسي الجميل)، وجاء فيها:

الجدية والعناية

أتاح لنا النادي العربي في المعرض الفني الذي أقامه للرسام الأستاذ نصير شورى، التعرف على مجموعة من الصور الزيتية تتسم بطابع الجد والعناية على الرغم من اختلاف مواضيعها وأساليبها، وهو طابع يشكر عليه الأستاذ شورى في بلاد لا تعرف فيها الفنون الروح الجدية شأنها في شتى نواحي الإنتاج. على أن صفة بارزة تبدو لنا من خلال هذه الرسوم العديدة المتقنة هي أن ريشة الرسام كانت إلى حد بعيد تخضع لمؤثرات مذاهب شتى أفقدتها السمة الخاصة التي يجب أن تعبر عن روح الفنان نفسه وعن طابعه الخاص، فبينما نرى مظاهره الطبيعية متأثرة بألوان سيزان ومدرسته كما في مشهد (سوق الغرب) أو بروح المدرسة الانطباعية كما في مشهد (بعد الثلج). نلمس في صوره عن الأشخاص اضطراباً بين الواقعية كما في لوحة (سوداني) وبين رنوار كما في (ذات الكوفية الحمراء)، وبين المدرسة المتوحشة كما في (قروية). كما نرى في صور الطبيعة الصامتة تأثرات شتى أوضحها طابع المرحلة الكلاسيكية من بيكاسو التي بدت في (ورود).

هذا لا يمنع الفنانين من أن يتلمسوا طريقاً واضحة لوضع أساس متين لإنتاج فني سليم في التصوير يجعل بروز شخصية الفنان وسمته الخاصة، شعاراً له.. هذه الصفة هي وحدها الدعامة التي تسمح لهم بأن يواكبوا المدارس الفنية في الغرب، وأن يقفوا أمام تأثيراتها موقفاً حياً يتيح لهم أن يتخيلوا ويوجهوا ويعبروا عن الأفكار، ويضعوا قواعد مدرسة فنية خصبة».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن