قضايا وآراء

وجه أميركا الحقيقي بعد 21 عاماً من أحداث 11 أيلول

| محمد نادر العمري

بعد مضي إحدى وعشرين عاماً على أحداث 11 أيلول التي شهدها برجيا التجارة العالمية والجزء الشمالي الغربي من البنتاغون الأميركي، والتي دفعت بالرئيس الأميركي جورج بوش الابن لتقسيم العالم وتوعده الأصدقاء قبل الخصوم باستخدام القوة العسكرية تحت مسمى محاربة الإرهاب، ما أدى لتقسيم العالم لمحورين وفق تصنيف بوش الذي عبر عن ذلك بقوله: «من ليس معنا فهو ضدنا»، وهو ما يدفعنا للتأمل قليلاً في دور الولايات المتحدة بمحاربة الإرهاب وهل استطاعت إفراغ النظام الدولي من هذا الإرهاب؟

الجواب عن ذلك وبشكل بسيط هو: لا، لأنه وتحت ذريعة محاربة الإرهاب ارتكبت الولايات المتحدة سلسلة من الجرائم التي تنتهك القانون الدولي بشكل خطير، بما في ذلك جرائم الحرب، والجرائم بحق الإنسانية، والاحتجاز التعسفي، والاعتداء بالتعذيب، وتعذيب السجناء، والعقوبات الأحادية العشوائية على دول العالم عموماً ودول منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، وأغرقت الكثير من المجتمعات في مستنقع الصراعات والمعضلات الأمنية، وقوضت بشكل خطير حقوق السكان المحليين في التنمية والتطور والأمان ومقومات الحياة، مما يؤكد أن الولايات المتحدة تستغل الظروف «للإدارة بالأزمات»، ومن الدلائل على ذلك:

– يشير المؤرخ الأميركي بول أتوود، في كتابه المعنون «الحرب والإمبراطورية: طريقة الحياة الأميركية» الذي صدر في عام 2010، إلى أن الحرب هي طريقة الحياة الأميركية، منذ تأسيس الولايات المتحدة، كان هناك أقل من 20 عاماً فقط لم تشارك فيها في حرب، مما يجعلها «إمبراطورية حرب» حقيقية، فمنذ نهاية الحرب الباردة، شاركت الولايات المتحدة في جميع الصراعات والحروب بشكل مباشر أو غير مباشر.

– أظهرت الإحصاءات الصادرة عن مجلة مؤسسة «سميثسونيان» الأميركية أنه منذ عام 2001، غطت الحروب والعمليات العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة باسم مكافحة الإرهاب «نحو 40 بالمئة من البلدان على هذا الكوكب».

– لم تحشد الولايات المتحدة حلفاءها لشن حرب الخليج الثانية في مطلع التسعينيات من القرن الماضي وحرب أفغانستان عقب أحداث أيلول وحرب العراق عام 2003 وغيرها من الحروب فحسب، بل انخرطت أيضاً بكثافة في العدوان على ليبيا واليمن وسورية وأوكرانيا، مما خلق كوارث إنسانية لم يشهدها التاريخ المعاصر والقديم في الوقت الذي شرعنت به واشنطن نظام «الأبارتايد» الصهيوني تجاه الشعب الفلسطيني.

– أشار مشروع تكاليف الحرب التابع لجامعة براون إلى أن أكثر من 174 ألف شخص لقوا حتفهم بشكل مباشر في الحرب في أفغانستان، منهم أكثر من 47 ألفاً من المدنيين، فضلاً عن مئات الآلاف من الجرحى، ووفقاً لمفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، أجبرت الحرب التي استمرت قرابة 20 عاماً في أفغانستان، 2.6 مليون أفغاني على الفرار إلى الخارج وشردت 3.5 ملايين آخرين.

– في العراق وبناء على قاعدة بيانات «ستاتيستا»، وهي قاعدة بيانات إحصائية عالمية، فإنه من عام 2003 إلى عام 2021، لقي نحو 209 آلاف مدني عراقي حتفهم في الحروب والصراعات العنيفة، وأصبح نحو 9.2 ملايين عراقي لاجئين أو أجبروا على مغادرة وطنهم.

– في تقرير صادر للأمم المتحدة في أيلول 2019 أشار إلى أن العديد من الغارات الجوية التي نفذها ما سمي التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في أماكن مثل سورية «لم تتخذ الاحتياطات اللازمة للتمييز بين الأهداف العسكرية والمدنيين»، حيث استخدمت الولايات المتحدة الضربات الجوية على نطاق واسع لتنفيذ ما يسمى عمليات «مكافحة الإرهاب»، التي غالباً ما أدت إلى قتل المدنيين «عن طريق الخطأ»، وإصابة الأبرياء، وحرمانهم تعسفاً من الحق في الحياة، إذ ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أنه بناء على تحقيق في وثائق سرية لوزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون»، تسببت الغارات الجوية الأميركية المتكررة في سورية في سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين بسبب «نواقص استخباراتية خطيرة» و«سوء استهداف»، حيث عادة ما يجنح البنتاغون إلى التستر عليها أو عدم المعاقبة حيالها. وفي عام 2017، شن جيش الاحتلال الأميركي ما سماه «الغارة الجوية الأكثر دقة» على مدينة الرقة السورية. وأشارت مؤسسة «راند» الأميركية للأبحاث، في تقرير أصدرته، إلى أن العملية العسكرية الأميركية تسببت بـ38 حادثاً موقعة خسائر في صفوف المدنيين، حيث أسفرت عن مصرع 178 مدنياً وإصابة عشرات آخرين وقدرت بعض جماعات حقوق الإنسان عدد الضحايا المدنيين بنحو 1600 شخص.

– في عام 2020، أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترامب آنذاك عفواً عن موظفي «بلاك ووتر» الذين ارتكبوا جرائم حرب في العراق وغيرها من الدول.

– بدعم مالي مستمر من البيت الأبيض والكونغرس الأميركي تم إنشاء الكثير من منظمات ما يسمى المجتمع المدني، بهدف إحداث ثورات ملونة في مصر واليمن والأردن والجزائر وسورية وليبيا ودول أخرى من خلال توفير تمويل للأفراد والجماعات الموالية للولايات المتحدة، وكانت العقل المدبر الرئيسي لما يسمى «الربيع العربي»، بهدف فرض التغيير في بلدان المنطقة وإنشاء أنظمة هشة وتابعة لخدمة هيمنتها العالمية.

– من خلال تحكمها بالنظام المالي والنقدي الدولي سعت الولايات المتحدة لاستخدام العقوبات الأحادية بحق دول ذات سيادة، الأمر الذي تسبب بخسائر اقتصادية فادحة وتدهور في نوعية حياة الناس في تلك البلدان، فالولايات المتحدة هي «قوة العقوبات العظمى» الوحيدة في العالم، ووفقاً لاستعراض عقوبات وزارة الخزانة للعام 2021، كان لدى الولايات المتحدة أكثر من 9400 عقوبة سارية بحلول العام المالي 2021، ومنذ عام 1979 فرضت الولايات المتحدة عدة عقوبات أحادية على إيران التي قال رئيسها السابق حسن روحاني، أثناء توليه منصبه إن العقوبات الأميركية التي فرضتها إدارة ترامب كلفت إيران ما لا يقل عن 200 مليار دولار أميركي في خسائر اقتصادية، واصفاً العقوبات الأميركية بأنها غير إنسانية وعمل إرهابي ضد الأمة الإيرانية بأكملها.

– زرع بذور الصراعات الحضارية والدينية، إذ تقصدت الولايات المتحدة «نظرية التهديد الإسلامي» حول العالم، وروجت تفوق الحضارة الغربية والإيديولوجية الليبرالية، واحتقرت الحضارة غير الغربية، ووصفت الحضارة الإسلامية بأنها «متخلفة» و«إرهابية» و«عنيفة»، وباستخدام حادث الحادي عشر من أيلول ذريعة، قامت الولايات المتحدة بتضخيم «نظرية التهديد الإسلامي» في العالم، وتضليل الناس عمداً أو حتى تحريضهم على أن يكونوا معادين للإسلام والتمييز ضد المسلمين، كما أثارت «صدام الحضارات»، من خلال تعبئة الرأي العام واختلاق ذريعة لتبرير حربها العالمية ضد الإرهاب.

هذه هي حقيقة الولايات المتحدة الأميركية التي ادعت محاربة الإرهاب ومكافحته، وبعد مرور إحدى وعشرين عاماً على أحداث 11 أيلول، بات من المسلمات إن لم يكن العقل الاستخباراتي هو المخطط له، فإنه من المؤكد استغلاله وتوظيفه لنشر الفوضى والحروب في العالم مظهراً الوجه الحقيقي للولايات المتحدة الأميركية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن