قضايا وآراء

ندوة هيرتسيليا ومظاهر الضعف الإسرائيلي

| تحسين حلبي

في 17 من شهر أيار الماضي عقد معهد «جامعة رايخمان للسياسة والإستراتيجيا» الإسرائيلي وهو معهد «هيرتسيليا للأبحاث الإستراتيجية» نفسه ندوة سياسية شارك فيها عدد من المختصين ووزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، وافتتح رئيس المعهد اوريئيل رايخمان جلستها بالتركيز على خطر الانقسام الداخلي في الكيان الإسرائيلي على مستقبله واستهله قائلاً: «في نيسان الماضي بعثت إيلانا سابورت (من التيار اليميني المتشدد) برسالة علنية لرئيس الحكومة نفتالي بينيت تطالبه بتقديم استقالته فوراً وإلا فسوف تجري تصفيته. ولكي تثبت جدية هذا التهديد وضعت في ظرف الرسالة طلقة نارية ولم تكتف بذلك بل بعثت برسالة ثانية تهدد فيها بقتل ابنه وزوجته إذا لم يقدم استقالته»، وحذر رايخمان من الاستهانة بخطورة مثل هذه الظاهرة التي دفع ثمنها على حد رأيه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين حين قتله بالرصاص متشدد إسرائيلي لأنه وافق على الانسحاب من بعض أراضي الضفة الغربية عام 1994، وأضاف رايخمان إن «أجواء التنافس بين الأحزاب والأفكار المتداولة في إسرائيل قد تؤدي إلى ما جرى لرابين وهو في منصب رئيس الحكومة»، وانتقد رايخمان السكوت عن تدهور القانون وقال: «كان من المفروض أن تعتقل السلطات القضائية إيلانا سابورتا وزجها بالسجن مدى الحياة على هذا التهديد الذي يدل على تمزق حاد تشهده القوى السياسية»، وسلط الضوء في محاضرته على التحذير من خطر الفلسطينيين الموجودين داخل فلسطين المحتلة منذ عام 1948 لأن ثورتهم على الكيان تصاعدت بعد العملية العسكرية الإسرائيلية التي نفذت في قطاع غزة في أيار عام 2021 ضد الفصائل الفلسطينية، وعجزها عن حسم المعركة، ووصف خطر هؤلاء الفلسطينيين في الداخل «وجودياً على المشروع الصهيوني ومستقبله»، واعترف في نهاية مداخلته بأن الضعف الإسرائيلي بدأ يظهر بسبب التمزق الحاد والانقسام والافتقار للإجماع الشامل الذي يشهده الكيان في هذه الأوقات.

بالمقابل سلط رافي ميلنيك، وهو نائب رئيس معهد رايخمان، الضوء على العوامل التي أنهت مرحة العولمة الأميركية ونظامها الدولي وفتحت الطريق لتثبيت مرحلة جديدة تسير وقائعها نحو عالم متعدد الأقطاب لا يمكن فيه تجاوز روسيا والصين، ووصف ما يجري بين روسيا والغرب بعد شباط الماضي، بعصر الحروب القومية بدلاً من هيمنة العولمة وخاصة في ميدان الاقتصاد العالمي.

وحول بقية الميادين الإقليمية والدولية اعترف وزير الدفاع بيني غانتس في مداخلته بأن «الحكومة والجيش يحاولان اتباع سياسة حذرة ودقيقة في الموقف من الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا لكي يستخدما الوضع الناجم عنها لخدمة المشروع الصهيوني والمحافظة على بقائه وخاصة لإحضار المزيد من المهاجرين»، وكشف أن «حرب أوكرانيا قدمت لنا عشرين ألفاً من المهاجرين الجدد خلال أشهر»، واعترف في الندوة أن «الظروف التي يشهدها العالم الآن ستفرض على إسرائيل أن تقاتل لوحدها، فلا أحد في هذه الظروف سيقاتل بدلاً منا، وهذا ما سوف نحاول الاستعداد له في ظل توازن قوى إقليمي حرج وحساس بالنسبة لإسرائيل»، وكشف أن أسلحة صاروخية ومسيرات تنتشر في المنطقة لضرب إسرائيل من سورية وحزب اللـه والقوى الحليفة لهما في العراق وفي اليمن، واعترف أن «إيران قادرة على زيادة قدراتها العسكرية في كل عام وبشكل متعاظم كماً ونوعاً، وهذا ما يجعل أي حرب مقبلة شديدة الصعوبة والقسوة» وأن «إسرائيل لا تزال في مرحلة العمل على زيادة قدرة الردع وليس القدرة على الحسم في أي حرب مقبلة، وتزداد حاجتها لتأمين القدرة على الحسم وما تتطلبه من جهود كبيرة أمام ضخامة أي مجابهة شاملة».

في حقيقة الأمر لم يستطع الكيان الإسرائيلي إخفاء الفزع الذي يدب فيه جيشاً ومستوطنين وحكومة من التطورات الإقليمية التي اعترف بها غانتس ومن مضاعفات التطورات العالمية التي جعلت رافي ميلنيك يعترف في الندوة بأن العولمة الأميركية انتهت وحلت محلها الحروب والمصالح القومية التي ستفرض ولادة عالم متعدد الأقطاب تستفيد منه القوتان الكبريان الصينية والروسية على حساب المصالح الأميركية في العالم، ولاشك أن ما سوف ينتج عن هذه التطورات هو نظام عالمي جديد ونظام إقليمي جديد في منطقة الشرق الأوسط يحتل محور المقاومة فيه دوراً رئيساً في تحديد جدول عمله ومصلحة شعوبه وليس مصلحة الكيان الإسرائيلي ودون أن يكون بمقدور الولايات المتحدة تغييره لمصلحتها وهذا ما لن يكون بمقدور تل أبيب تغييره أيضاً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن