تتسارع الأنباء حول الحوار بين دمشق وأنقرة، الأمر الذي يتلقفه السوريون بلهفة رغبة منهم في إنهاء حالة الأزمة الحرب التي عصفت ببلادهم منذ مطلع العام 2011 وحتى اليوم، حدث مثلت تركيا رأس حربة فيه، إلا أن صمود الدولة السورية شعباً وجيشاً وقيادة، دفع بالنظام التركي لطلب الحوار.
تحتاج دمشق لتقوية موقفها التفاوضي، إذ يبدو واضحاً الخلل في ميزانه لمصلحة أنقرة، وخصوصاً على الصعيد المادي والعسكري والاقتصادي، لكن ما يدفعها للبحث عن المصالحة، أسباب ليست مادية، أسباب ترتبط بالروح المعنوية السورية التي بدأت تشق طريقها نحو التعافي، مقابل ضغط داخلي من جزء من الشارع التركي الذي أيقن موقف نظامه السياسي المعادي لسورية، فراح يضغط باتجاه تصحيح الموقف، الأمر الذي أقلق النظام التركي، خشية نتائج ذلك على مستقبله السياسي، فبدأ يبحث عن الحلول، ولعل أهمها وأقصرها وأسهلها، الحوار، الأمر الذي دعمته موسكو وطهران وشجعتا دمشق وأنقرة عليه.
حتى الآن، لا توجد مفاوضات سياسية مباشرة، قد يكون السبب عدم الثقة بالنظام التركي الذي ينتهج المراوغة، وهو ما أكد عليه وزير الخارجية والمغتربين فيصل المقداد، بالأمس، إذ قال بحسب ما تناقلت وسائل إعلامية: «ليس هناك اتصال على مستوى وزارتي الخارجية بين البلدين»، وأضاف: «عدم التزام تركيا يعد عقبة تعوق عملية تسوية سورية بموجب إطار أستانا»، ليؤكد أن «أستانا» هو «الإطار الوحيد القابل للتطبيق للحل في سورية»، في إشارة إلى ما تؤكد عليه جميع البيانات الختامية لقمم ضامني «أستانا»، روسيا وإيران وتركيا، من ثوابت أساسية فيما يخص وحدة وسيادة واستقلال سورية، وهذا يعني الانسحاب التركي من كل الأراضي السورية المحتلة، ووقف دعم التنظيمات الإرهابية المسلحة، كبادرة حسن نية.
السؤال المركزي، كيف يمكن لسورية التي أنهكتها الحرب أن تدعم موقفها التفاوضي مع أنقرة؟ سؤال بسيط، ووارد في أذهان الجميع، إلا أن الإجابة عنه، حساسة لدرجة أنها محدد لمستقبل بلد وشعب، فالبحث عن نقاط قوة يعني أولاً، عدم فتح ثغرات ضعف جديدة، وفي هذا الإطار، يمكن الأخذ بمايلي:
أولاً: تبدو درجة التنسيق العالية مع الحلفاء في موسكو وطهران، من أهم نقاط القوة لدمشق في هذا الملف.
ثانياً: قد تكون مسألة إحداث سلسلة من الصدمات الإيجابية لإعادة التوازن نوعاً ما للعلاقة بين دمشق ومحيطها العربي، من أهم تلك النقاط أيضاً، وهذه الخطوة بحد ذاتها في اعتبار دمشق وتؤكد عليها القيادة السياسية السورية باستمرار إلا أنها تتطلب خطوات أجرأ وأسرع في المرحلة الحالية، وتتطلب تلقفاً من العرب، لأنها نقطة ذات أهمية ليس لسورية فقط بل لكل الدول العربية أيضاً، وللنظام الإقليمي العربي المتمثل بالجامعة العربية، ومن ثم يجب أن تكون هناك خطوة عربية متقدمة من دمشق في قمة الجزائر القادمة، فإن هذا يعني أن المزيد من الدور للقوى الإقليمية والدولية في حل الأزمة السورية هو على حساب الدور العربي الجوهري.
ثالثاً: إعلان مواقف متقدمة وجريئة من الحوار السياسي مع المعارضة، وتجديد الدعوة للحوار في دمشق، مستفيدين من الأخبار المتناقلة حول المواقف الجديدة للنظام التركي من قوى المعارضة التي كانت تتخذ من تركيا مقراً لها، وعدم ترك الباب مفتوحاً لقوى دولية جديدة لاستخدام ورقة المعارضة، فسورية أولى بأبنائها، وهذا يتطلب بناء ثقة، أولى خطواته بث خطاب إعلامي جديد واستقبال شخصيات فكرية وأكاديمية من صفات محددة على شاشات التلفزة للحديث عن مصالحة وطنية كبرى وعقد اجتماعي جديد.
رابعاً: التطبيع مع أنقرة، يجب أن يكون فرصة لتفعيل حوار بين دمشق وكردها، على الأقل في خطوة أولى، حوار واسع وشامل ومنفتح ووطني، بين مثقفين وأكاديميين من الطرفين.
يبقى المحدد الرئيس في كل الخطوات السابقة، هو الحفاظ على وحدة وسيادة واستقلال سورية، والحفاظ على دماء الشهداء، والبحث عن مستقبل سورية والسوريين، مع الأخذ بعين الاعتبار أن أي خطوة قد تمس بما سبق، حينها، فإن خيار الحرب هو الأفضل.
إن لم تكسب سورية بالمعني المادي من حوارها مع أنقرة، فإن خيارها الثاني لن يكون الخسارة، على اعتبار أن عدم الربح هو حالة أفضل من حالة الخسارة التي تصيب سورية اقتصادياً واجتماعياً كل يوم، وهي المسألة الشاغلة للقيادة السورية، الباحثة باستمرار عن إعادة بناء سورية، وطناً، آمناً، مستقراً للجميع.