الفلاحون مرهقون!! … معاون مدير الاقتصاد الزراعي: خطة وزارة الزراعة تركز على المحاصيل الإستراتيجية فقط … خبير زراعي: نحن مقبلون على مستقبل زراعي متدهور وبائس والخطط الموضوعة لا تفي بالغرض
| نوار هيفا
تمحورت معظم مشكلات الزراعة سابقاً حول الانتقالات الفصلية والتصحر وانجراف التربة فضلاً عن هجرة اليد العاملة الزراعية من الريف إلى المدينة، لتتوسع هذه المشكلات اليوم وتظهر في هجرة جديدة من نوعها ألا وهي هجرة محاصيل زراعية معينة أو التخفيف منها لأنها باتت تشكل عبئاً على الفلاح بشهادة أصحاب المهنة أنفسهم.
كلفة مرهقة
فراس بركات مزارع من بانياس تحدث لـ«الوطن»، عن معاناته في الإستراتيجيات الموضوعة والصعوبات التي تفرض نفسها على كثير من الفلاحين، حيث عمد بداية لتقليص عدد البيوت البلاستكية، بسبب قلة التوريد الكهربائي واعتماده في كثير من الأحيان على مولدات المازوت لتأمين ري هذه البيوت من الآبار، فضلاً عن التبريد والتخزين، حيث إن الكلفة أرهقت كاهله لتأتي بعدها معاناة الاستجرار الحكومي للمحصول التي لا تسد حاجة فلاح واحد، بالإضافة لصعوبة تأمين عبوات النقل وحصرها بمعمل واحد لتغطية حاجة المنطقة.
ومن المعروف غنى المنطقة الساحلية بمادتي البندورة والحمضيات، وبعد رفع الدعم عن السماد، ضاق الحال أكثر فأصبح التحور عن هذه الأصناف الزراعية ضرورة ملحة حسب قوله.
وأوضح بركات أنه يعتمد حالياً على زراعات بعلية ذات مردود مقبول، مكتفياً بزراعة محصولي التين والزيتون لتأمين الحاجات المنزلية وبيع قسم بسيط، محولاً بيوته البلاستيكية لحديقة منزلية صغيرة لزراعة خضراواته الخاصة.
حسين عباس مزارع من منطقة الغاب تحدث عن الإنتاج الزراعي الذي اختلف وبدأ يتراجع عاماً بعد عام في المنطقة لأسباب عدة تركزت في نقص وارتفاع أسعار الوقود والمحروقات نتيجة عدم توافر التيار الكهربائي، والتي دفعت الكثير من الفلاحين لشراء مولدات كهربائية واستخدامها في حالة الضرورة لتشغيل مضخات المياه، ولكن نتيجة نقص وارتفاع أسعار المحروقات، فإن مشكلة توافر التيار الكهربائي لم يتم حلها بشكل جذري.
وأشار عباس إلى التكلفة الباهظة في التنقل بين القرى والمدن، ولهذا السبب يفضل الكثير من الفلاحين بيع المحاصيل في مناطق إقامتهم، مما يؤدي إلى انخفاض أسعار المبيع نتيجة كثرة العرض في حين ترتفع أسعار المحاصيل في المناطق الأخرى.
عبدلله الشاوي مزارع من مورك بريف حماه تحدث عن الفترة التي تعرض فيها الكثير من أبناء بلدته للتهجير القسري من قبل الجماعات المسلحة وعمليات حرق المحاصيل مرات عدة من قبلهم وما سببته هذه الفترة من تراجع قابلية الأراضي الزراعية لإنتاج محاصيل سبق أن اشتهرت بها منطقتهم.
وأشار إلى ردائة النوع المنتج اليوم قياساً بما كان عليه سابقاً، لحاجة الأراضي لعلاج جذري وإغنائها بالأسمدة سواء الفوسفاتية أم الآزوتية.
وبيّن أن الإنتاج اليوم يتركز على الفستق الحلبي بأنواع تصنف بالجيدة نوعاً ما مع الاعتماد على التسويق الذاتي في البيع والنقل لباقي المحافظات.
وفرة بلا جدوى
علي أحمد مزارع من ريف دمشق تحدث عن وفرة المحاصيل الموسمية في منطقته خاصة مواسم اللوز والكرز والتفاح إلا أن هذه الوفرة لم تعد ذات جدوى في ظل صعوبات النقل والحاجة الملحة لمستلزمات الزراعة غير الكافية، فعمد لتحقيق كفاية منزله الذاتية بأرض واحدة وتحويل حقوله الزراعية لمنتجعات صيفية وبناء محاضر ليحول نشاطه من الزراعة إلى الاستثمارات العقارية.
الدعم للاستراتيجي فقط
وعن هذه الصعوبات والمشكلات بيّن معاون مدير الاقتصاد الزراعي في وزارة الزراعة عبدلله عتوم لصحفية «الوطن»، أن تركيز الدعم والاهتمام يكون للمحاصيل الإستراتيجية كالقمح والشوندر السكري والشعير وفق الخطة الزراعية السنوية التي تضعها وزارة الزراعة بالاشتراك مع الجهات المعنية من وزارة الموارد المائية ووزارة الصناعة ووزارة التجارة الداخلية حسب حاجة كل قطاع من القطاعات، مبيناً أنه لا يمكن إجبار الفلاح على زراعة أصناف معينة أو الامتناع عن غيرها، فهو الذي يقرر ما يرغب بزراعته.
وكشف أن مشكلة كميات الإنتاج تكمن أحياناً بنسبة تسليم محصولي القمح والشعير أو عدم تسليمهما من قبل الفلاح للحكومة، في حين المساحة وكميات الإنتاج المتوقعة في الخطة الزراعية هي ذاتها.
وعن دور المصرف الزراعي في تأمين مستلزمات الإنتاج الزراعي سبق أن كشف مدير في «الزراعي» سابقاً لـ«الوطن» أن المصرف مستمر في دعم النشاط الاقتصادي عبر تأمين الحاجة من الأسمدة وفق المتاح والممكن للمصرف بما يسهم في توفير المادة للفلاحين في المناطق الآمنة التي يمارس المصرف فيها نشاطه، مؤكداً أن المصرف الزراعي يعمل على منح القروض منذ عودة استئنافها حسب القرارات الخاصة بذلك وفق التعليمات التنفيذية لمنح القروض لدى فروع الزراعي مع التشدد في تطبيق ضوابط المنح والحفاظ على أموال المصرف وتوجيه القروض نحو المشاريع الإنتاجية وفق تعديلات جدول الاحتياجات الأخير الذي أصدره المصرف الزراعي ويجري العمل به حالياً حيث ساهم تعديل جدول الاحتياجات بالتوافق أكثر مع احتياجات التمويل الفعلية للفلاحين والمستثمرين بما يسهم في الاستجابة لحالة التضخم الحاصلة وتمكين الفلاحين من الاستفادة من القرض وتأمين مستلزماتهم وفي المحصلة تمكينهم من الإنتاج ودعم النشاط الاقتصادي وتحقيق احتياجات السوق المحلية.
نعاني كباقي القطاعات
وفي السياق أوضح مدير الإنتاج الزراعي في وزارة الزراعة أحمد حيدر أن القطاع الزراعي يعاني من صعوبات ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج كغيره من القطاعات، فضلاً عن جانب المحروقات الضاغط الرئيس على كل القطاعات «كهرباء نقل وصناعة وكامل عمليات الإنتاج»، والزراعة واحدة من هذه القطاعات فهو يؤثر إما بالندرة أو بارتفاع أسعار منتجاته بالسوق.
وأشار حيدر إلى أنه ورغم هذه الصعوبات هناك فائض في الإنتاج والدليل عدم قدرة التسويق على استيعاب هذا الفائض، إلا أن المزارع اليوم يبحث عن محاصيل ذات ريعية وربح فوري، وهذا يكون على حساب المحاصيل الإستراتيجية كالقمح والقطن والشوندر السكري.
المشكلة في الري
من جهته الخبير الزراعي عدنان الهيبة أكد في حديث لـ«الوطن» أن مشكلات الزراعة تعود لصعوبات الري المرتبطة بشكل رئيس بتوافر المحروقات والكهرباء، فيكون الاعتماد على المولدات لاستكمال عمليات الإنتاج من سقاية وتخزين وتبريد مما يضاعف التكاليف على الفلاح، فضلاً عن عدم الاستجابة لحاجة هذا القطاع بأن تكون عدد ساعات الوصل الكهربائي ساعتين مقابل أربع ساعات قطع على الأقل، وهو ما سيغير الواقع من متدن لجيد جداً بل وممتاز، لأن الوضع الحالي (نصف ساعة كهرباء وصل) لا يكفي حتى أبسط وسيلة ري «بالتنقيط».
وأشار الهيبة إلى الأخطاء في السياسات الزراعية المتبعة بفعل الظرف الحالي، فكثير من الأراضي لم تُحرث بسبب ارتفاع أسعار المحروقات وعدم كفاية مخصصات الحراثة لدى الفلاح، يضاف إليها ارتفاع تكاليف الأسمدة والأدوية والبذور، من دون التطرق للحديث عن تكاليف ما بعد الإنتاج المتعلقة بالنقل، وهي تجبر الفلاح على التسويق ضمن منطقته التي لا تستوعب هذا الكم الهائل من الإنتاج خاصة مع التشابه الكبير في نوعية هذا الإنتاج بين الفلاحين، وبالتالي يؤدي هذا لتدهور الأسعار، من دون التطرق لآلية التسويق الضعيف في هذا القطاع.
أضف إلى ذلك تكاليف العبوات المرتفعة، هذه الأسباب دفعت العديد من الفلاحين لتغيير ما نسميه مهنة زراعية والانتقال لحرف أخرى ذات مردود يعوض الخسائر بأضعاف الإيرادات، أيضاً هناك موضوع مهم وهو الأخطاء الزراعية المتبعة من قبل البعض من دون التنبيه لخطورة الانتقال من الزراعات المروية للزراعات البعلية التي تحتاج فعلياً لسنتين أو ثلاث كحد أدنى من الإنتاج لتعتاد على هذا النمط الزراعي، وهو ما قد يتسبب بتدهور هذه الزراعات.
وأضاف الخبير بأن مخاوف جديدة أُضيفت مؤخراً لصعوبات الزراعة، وهي القطع الجائر للأشجار والاعتماد عليها في التدفئة من قبل بعض المتعدين من دون اتباع سياسات حماية فعالة لهذه الأراضي.
إستراتيجيات غير مجدية
وفي الحديث عن الإستراتيجيات الزراعية المتبعة، أكد الهيبة أنها غير مجدية بل مجرد كلام منافٍ للواقع، رغم أن دعم القطاع الزراعي هو الذي سيدفع عجلة النهوض بالاقتصاد في ظل الحصار وقلة الموارد، مشيراً إلى تراجع الاقتصاد الزراعي المنزلي الذي يعتبر عاملاً مساعداً في تحقيق اكتفاء ذاتي وهو ما شجع عليه كثيراً خبراء زراعيون لترميم هذا الواقع المريض، إلا أن الحقيقة تنبئ بواقع زراعي متدهور وبائس، ونحن مقبلون على مستقبل لن نجد فيه ما نأكله، أو ما يسمى إنتاج زراعي.