سورية

ألقى كلمة سورية أمام الدورة الـ77 للجمعية العامة وأكد ضرورة بناء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب … المقداد: الحرب على سورية خَلَّفت تجربة مريرة وباهظة الثمن على شعبنا

| وكالات

أكد وزير الخارجية والمغتربين فيصل المقداد أمس على ضرورة بناء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب يعمل فيه الجميع تحت مظلة مبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة، موضحاً أن سورية تنطلق في دعوتها هذه من تجربة حقيقية، لأن الحرب عليها كانت في إطارها الأوسع جزءاً من محاولات الغرب لإبقاء سيطرته على العالم، لافتاً إلى أنه ورغم أن هذه الحرب فشلت في تحقيق أهدافها بما في ذلك كسر إرادة سورية وعزلها عن محيطها وعن العالم لكنها خَلَّفت تجربة مريرة وباهظة الثمن على الشعب السوري.
وفي كلمة سورية أمام الدورة الـ77 للجمعية العامة للأمم المتحدة، أوضح المقداد حسب وكالة «سانا»، أن تزايد الحروب والنزاعات والتهديدات للسلم والأمن الدولي وانتشار الإرهاب والفوضى يأتي نتيجة إصرار بعض الدول على فرض هيمنتها على دول أخرى ونهب مواردها وثرواتها والسعي لتحقيق أجنداتها الضيقة، ضاربة عرض الحائط بكل ما أجمعت عليه البشرية من قوانين وأعراف دولية.
ولفت إلى أن هذه الدول شنت الحروب واحتلت أراضي الغير تحت ذريعة «نشر الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان»، لكنها في الواقع دمرت دولاً وقتلت الكثير من الأبرياء، وأطلقوا على الإرهابيين المدعومين من قبلهم تسمية «المعارضة المعتدلة»، لكن هؤلاء كانوا مجرد أدوات لتدمير الدول الأخرى التي لا تسير في فلكهم ولا تخضع لأجنداتهم، سموا عقوباتهم بـ«العقوبات الذكية»، لكنها في الواقع ليست سوى أدوات قتل وعقاب جماعي ضد الشعوب التي وقفت إلى جانب بلادها وسيادتها وجيشها، وما فعلوه في سورية من منع وصول الغذاء والدواء ووقود التدفئة وغيرها من متطلبات الحياة الأساسية إلى الشعب السوري خير دليل.
وأشار المقداد إلى أن سورية إذ تنبه إلى هذا الواقع المزري فإنها تدعو إلى اتخاذ القرار الصائب في هذه اللحظة الفارقة والدقيقة من التاريخ، بما يضمن حاضراً ومستقبلاً أفضل لنا وللأجيال القادمة، وبما يؤسس لبناء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب يعمل فيه الجميع تحت مظلة مبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة، لافتاً إلى أن سورية تنطلق في هذه الدعوة من تجربة حقيقية لم تكن منفصلة عن ذلك لأن الحرب عليها كانت في إطارها الأوسع جزءاً من محاولات الغرب لإبقاء سيطرته على العالم، ورغم أن هذه الحرب قد فشلت في تحقيق أهدافها بما في ذلك كسر إرادة سورية وعزلها عن محيطها وعن العالم لكننا لا ننكر أنها خَلَّفت تجربة مريرة وباهظة الثمن على الشعب السوري الذي يعاني منذ أكثر من 11 عاماً وحشية إرهاب منظم ترعاه دول معروفة واحتلال وتدخل عسكري وحصار اقتصادي وإجراءات قسرية أحادية الجانب لا ترحم.
وأوضح المقداد، أن من ممارسات الاحتلال الإسرائيلي دفعت المنطقة إلى مستويات غير مسبوقة من التوتر وعدم الاستقرار من خلال ارتكابه المجازر وتصعيد عدوانه العسكري على الأراضي الفلسطينية والاستمرار في سياسات الاستيطان والتهويد والحصار التي تشكل جرائم لم يعد من المقبول استمرار الإفلات من العقاب عليها.
وجدد وزير الخارجية والمغتربين التأكيد على وقوف سورية إلى جانب الشعب الفلسطيني الشقيق في نضاله لتحرير أرضه المحتلة وإقامة دولته المستقلة ذات السيادة على كامل أرضه وعاصمتها القدس وضمان حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم، وذلك وفقاً للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
وبيّن أن «إسرائيل» تواصل منذ احتلالها الجولان السوري عام 1967 ارتكاب أبشع أشكال الانتهاكات لحقوق الإنسان وللقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك توسيع الاستيطان وتغيير الوضع الديمغرافي ومحاولات فرض «الجنسية ووثائق الملكية الإسرائيلية» قسراً على أبناء الجولان، فضلاً عن نهب موارد الجولان الطبيعية ودفن النفايات النووية في أراضيه والاستيلاء على مزيد من الأراضي لإقامة توربينات هوائية ضخمة.
ولفت المقداد إلى أن «إسرائيل» أضافت فصلاً جديداً إلى هذا السجل الأسود تمثل بدعمها التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها «جبهة النصرة» التابعة لتنظيم «القاعدة» و«داعش» وقيامها بشن اعتداءات متكررة على الأراضي السورية بشكل ممنهج ومتعمد، بما في ذلك الموانئ والمطارات المدنية ما يهدد السلم والأمن في المنطقة والعالم، مؤكداً أن من ارتكب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين والسوريين لا يحق له اعتلاء المنابر الدولية للتشدق بالحرص على أرواح المدنيين وحقوق الإنسان.
وأوضح المقداد أن استمرار الدعم أو الصمت عن مثل هذه الممارسات الإسرائيلية من قبل بعض الدول التي تنصب نفسها حامية للقانون الدولي الإنساني ولقانون حقوق الإنسان يجعلها متواطئة مع هذه الجرائم ويظهر مدى ازدواجية المعايير التي تمارسها، مشدداً على أن سورية تؤكد أنها ستمارس حقها المشروع في الدفاع عن أرضها وشعبها بكل الوسائل اللازمة وفي ضمان مساءلة سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن هذه الجرائم.
وأكد أن الجولان السوري المحتل في قلب كل سوري، وحقنا باستعادته كاملاً حتى خط الرابع من حزيران لعام 1967 ثابت لا يخضع للمساومة أو الضغوط ولا يسقط بالتقادم، وهو مكفول بموجب القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة وخاصة قرار مجلس الأمن رقم 497 لعام 1981.
وأشار المقداد إلى أن أي وجود عسكري غير شرعي على الأراضي السورية هو مخالف لميثاق الأمم المتحدة ويجب أن ينتهي فوراً من دون قيد أو شرط، كما أن محاربة الإرهاب والقضاء عليه لا يمكن أن يتم إلا بالتعاون والتنسيق مع الدولة السورية، وفي إطار احترام سيادتها واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها، فمحاربة الإرهاب لا تتم عبر «تحالف دولي» غير شرعي ينتهك سيادة الدول ويدمر المدن والقرى ويرتكب المجازر بحق المدنيين ويسرق الثروات الوطنية ويدعم الميليشيات الانفصالية، كما أنها لا تتم عبر احتلال أراضي الغير وسياسات التهجير القسري والتغيير الديمغرافي ولا بالسعي لإنشاء ما تسمى «منطقة آمنة» وبالتعاون مع الإرهابيين أنفسهم أو بممارسة العقاب الجماعي من خلال قطع المياه عن المواطنين، مطالباً الميليشيات الانفصالية التي ما زالت تعيش تحت تأثير الأوهام التي ينسجها رعاتها أن تعي الواقع وأن تتراجع عن التعويل على المحتل الأجنبي، فمن لا يقف إلى جانب وطنه لا وطن له.
وبين أن سورية انتهجت منذ بداية الأزمة في عام 2011 خيار التسويات والمصالحات الوطنية المحلية كطريق لإعادة الأوضاع إلى طبيعتها في مختلف ربوع الوطن وتعزيز الوحدة الوطنية وتماسك المجتمع السوري، وتم إصدار 21 مرسوم عفو عام، كان آخرها المرسوم التشريعي رقم 7 لعام 2022 الذي أصدره الرئيس بشار الأسد، لافتاً إلى أن هذا العفو يكتسي أهمية استثنائية بطبيعته القانونية الاجتماعية والسياسية، فهو يعكس مرحلة متقدمة في إطار إرادة وجهود الدولة السورية المستمرة لترسيخ المصالحة الوطنية وتحقيق الاستقرار بشكل مستدام.
ولفت المقداد إلى أنه بالتوازي مع ذلك تعاملت سورية بإيجابية مع الجهود والمبادرات التي قدمت في إطار المسار السياسي، وبهذا الصدد تجدد دعمها للاجتماعات التي تعقد بصيغة أستانا، كما ترحب بنتائج قمة طهران التي عقدت في 19 تموز الماضي والتي تم التأكيد فيها على الالتزام بسيادة سورية واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها وعلى الوقوف ضد المخططات الانفصالية وعلى القضاء النهائي على المجموعات الإرهابية، مبيناً أن كل ذلك يبقى حبراً على ورق إذا استمرت تركيا بعدم الالتزام بهذه النتائج قولاً وفعلاً وبعدم تنفيذها لمخرجات أستانا السابقة.
وأكد المقداد ضرورة أن يحافظ المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سورية على دوره كميسر للحوار السوري- السوري بملكية وقيادة سورية، وذلك وفق الولاية الممنوحة له في إطار اجتماعات لجنة مناقشة الدستور.
وأشار المقداد إلى أن سورية كانت قبل بدء الحرب الإرهابية التي شنت عليها من أكثر بلدان العالم أمناً واستقراراً وازدهاراً، وكانت تحقق اكتفاء ذاتياً وتؤمن متطلبات الحياة الأساسية لشعبها بشكل قل نظيره في المنطقة، لكن هذه الحرب الظالمة غيرت هذا الوضع، لا بل شهدنا أزمة إنسانية لا يستهان بها بسبب الإرهاب والإجراءات القسرية أحادية الجانب التي فرضتها الدول الغربية وسرقة ثروات الشعب السوري.
وأضاف: كمثال على ذلك فإن القيمة التقديرية للخسائر المباشرة وغير المباشرة التي لحقت بقطاع النفط والغاز والثروة المعدنية فقط منذ عام 2011 بلغت 107 مليارات دولار، لافتاً إلى أن سورية ستطالب بالتعويض عن هذه الخسائر لأن العالم لا يجب أن يكون عالم وحوش بل عالم الأمن والاستقرار والسلام.
وشدد المقداد على أن الدولة السورية تبذل جهوداً جبارة لتحسين الوضع الإنساني على الأرض وإعادة بناء ما دمره الإرهاب وتسهيل عودة اللاجئين، وتحرص على تقديم كل التسهيلات للأمم المتحدة لتحسين وتعزيز إيصال المساعدات الإنسانية لمحتاجيها ولتنفيذ مشاريع التعافي المبكر التي نص عليها قرار مجلس الأمن 2642 الذي يشكل رغم التحفظات عليه خطوة إضافية نحو تحسين الوضع الإنساني في سورية وزيادة القدرة في الحصول على الخدمات الأساسية، لكن ذلك يتوقف على مدى تنفيذ الدول الغربية لما جاء في القرار بخصوص توسيع نطاق الأنشطة الإنسانية، إذ أثبتت تجربة القرار السابق 2585 أن تنفيذ هذه المشاريع لا يمكن أن يتم في ظل إصرار الدول الغربية على تسييس العمل الإنساني والتنموي في سورية واستمرارها بوضع العراقيل والقيود أمامها، ولاسيما من خلال فرض الإجراءات القسرية.
وجدد المقداد التأكيد على موقف سورية من العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، وعلى تأييدها حق روسيا في الدفاع عن نفسها وحماية أمنها القومي رداً على السياسات الغربية العدوانية، كما أعاد التأكيد على تأييد سورية الكامل لموقف إيران ونهجها البناء والمسؤول في التعامل مع موضوع العودة إلى الاتفاق النووي الذي انسحبت منه الولايات المتحدة بشكل منفرد وغير قانوني.
كما أكد استمرار سورية بدعمها مبدأ «صين واحدة» وتأييد مواقف بكين في مواجهة محاولات التدخل الخارجي في شؤونها الداخلية، مجدداً في الوقت ذاته إدانة سورية الحصار الاقتصادي المفروض على كوبا منذ عقود ودعوتها لوقف التحركات والتدريبات العسكرية التي تجريها أميركا في شبه الجزيرة الكورية.
وجدد المقداد مطالبة سورية بضرورة رفع كل أشكال الإجراءات القسرية الأحادية الجانب التي تفرضها الدول الغربية عليها وعلى روسيا وإيران وبيلاروس وفنزويلا وكوريا الديمقراطية ونيكاراغوا وزمبابوي وإريتريا والتي تشكل إرهاباً اقتصادياً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن