أصبح الإنفاق الأميركي للدعم العسكري لأوكرانيا يزداد حتى وصل المبلغ الإجمالي إلى ما يزيد على 60 مليار دولار حتى الآن وذلك خلال سبعة أشهر من الحرب الدائرة على الأراضي الأوكرانية في مواجهة روسيا وهو مبلغ كبير وغير مسبوق لدولة مثل أوكرانيا، تضاف إليه قيمة الدعم العسكري الذي أنفقته ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وحلف الأطلسي.
وعلى الرغم من هذا الدعم العسكري الهائل لا تزال العملية العسكرية الروسية تتابع عملياتها وتوسعها على الأراضي الأوكرانية وحماية الأراضي التي تسيطر عليها، لكن هذه التطورات بدأت تولد انقساماً داخل ساحة الدول الأوروبية ومخاوف متزايدة من حرب نووية عالمية تولد أسبابها الولايات المتحدة نتيجة للتصعيد ورصد المزيد من المليارات المخصصة للدعم العسكري لأوكرانيا، وهذه المخاوف عبرت عنها داخل الساحة الأميركية حركة شعبية واسعة يقودها عدد كبير من المنظمات المركزية الأميركية غير الحكومية المعارضة للحروب، ففي الأسبوع الماضي حشدت هذه المنظمات عدداً كبيراً من المشاركين في العاصمة واشنطن وفي 15 مدينة مركزية من المدن الكبيرة في الولايات على شكل مسيرات طالبت من خلالها الإدارة الأميركية بفتح مفاوضات فورية مع موسكو لإيقاف النار والالتزام بالحل التفاوضي والكف عن التصعيد العسكري الذي تقوده وتحرض عليه أوكرانيا، وقرر قادة هذه المنظمات بمشاركة العسكريين المتقاعدين منهم تنظيم لقاءات مع عدد من أعضاء الكونغرس في داخل مكاتبهم في مبنى الكونغرس لتوضيح المخاطر التي تحملها سياسة الرئيس الأميركي جو بايدين وفريقه المتشدد من الصقور للتسبب بحرب نووية مع روسيا والصين سيدفع ثمنها أكثر من نصف البشرية خلال عشر سنوات.
ومع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية النصفية للكونغرس الأميركي في تشرين الثاني المقبل يرى الكاتب السياسي وأحد النشطاء في «منظمة ائتلاف السلام ضد الحرب الأميركية في أوكرانيا» ميرسي فينوغراد في تحليل نشره الأسبوع الماضي في مجلة «أنتي وور» أن قادة هذه المنظمات يعملون على تجنيد الرأي العام الأميركي للامتناع عن انتخاب دعاة الحروب تحت شعار أن هذه المنظمات «أعلنت رفضها للعملية العسكرية الروسية لكنها تعترف بأن إدارة بايدين استفزت روسيا في موضوع أوكرانيا» وأن «تطورات هذه الحرب ضد روسيا أصبحت تثير مخاوف جدية من وقوع حرب نووية لا يمكن استبعادها إلا بالمفاوضات والحل السلمي»، وقد شكلت أكثر من 15 منظمة مركزية إطاراً موحداً ومنظماً لنشاطها لمعارضة الحروب وإيقاف تمويلها في أوكرانيا وغيرها من مناطق العالم.
ومع ازدياد التداول باحتمال أن تؤدي الحرب الأميركية في أوكرانيا إلى مواجهة نووية بين الولايات المتحدة وروسيا، يستعيد نشطاء هذه المنظمات الحل الذي توصل إليه الرئيس الأميركي الأسبق جون كينيدي عام 1963 مع رئيس الاتحاد السوفييتي نيكيتا خوروتشوف حين نشرت موسكو قاعدة للصواريخ في كوبا القريبة من حدود ولاية فلوريدا الأميركية، حيث وقعت أول أزمة حرب نووية بين واشنطن وموسكو في عام 1962 وجرى حلها باتفاق بين القوتين النوويتين تنازلت فيه واشنطن عن قاعدتها لصواريخ «جوبيتر» النووية في تركيا القريبة من حدود الاتحاد السوفييتي مقابل سحب الصواريخ السوفييتية من كوبا القريبة من الولايات المتحدة.
ويبدو أن انهيار الاتحاد السوفييتي بعد عام 1991 دفع الولايات المتحدة إلى فرض نظامها العالمي الأحادي القطب واستغلته لنشر صواريخها في دول عديدة في أوروبا الشرقية وضمتها إلى الحلف الأطلسي فأعادت بهذا الشكل، خلق أزمة نووية جديدة وأزمة حرب عالمية ثالثة، بهدف المحافظة على هيمنتها ومنع أي دولة في العالم من مناهضة سياساتها الامبريالية وتسلطها على شعوب العالم، فمنذ قرن والولايات المتحدة تقود سياسة الاستعمار واستعباد الشعوب وفرض مصالحها في القارات الأربع بقوة الجيوش والحروب، وكان أكثر عدد من شعوب العالم يرى فيها عدواً خلال القرن الماضي وما قبله وما بعده، وهذا ما يثبته وجود قواعد عسكرية لها حتى الآن في أكثر من 120 دولة في العالم أنشأتها بالقوة المسلحة لتحقيق مصالحها في تلك الدول وتضييق الخناق على استقلالها، كما سفكت القوات الأميركية دماء الأبرياء في معظم بقاع العالم، ولا يشبهها بهذا الدور إلا الإمبراطورية الرومانية في القرون الماضية والإمبراطورية البريطانية في القرنين التاسع عشر والعشرين، لكنها اليوم في هذه الحرب تواجه فيها قوى كبرى نووية، ولن يكون بمقدورها المحافظة على إمبراطوريتها الامبريالية وعلى أحادية القطب بين القوى الكبرى.