ثقافة وفن

السينما السورية تجدد «شيوخها».. احتفالية غابت عنها روح الشباب وحضرت التقليدية … الكبـار قـدموا أنفسـهم كـ«رهنٍ» للـشباب

| عامر فؤاد عامر – تصوير: طارق السعدوني

تستمر المحاولة في حثّ العنصر الشاب ودعمه ليكون أكثر فاعليّة في العطاء وفي تقديم الفرصة التي يمكن أن تتاح له، وهذا ما عملت عليه المؤسسة العامة للسينما لدينا في فتح باب الفرصة السينمائية التي يحلم بها كثير من شبابنا المبدع، ومهما كانت التعليقات والملاحظات يبقى لمجرد منح هذه الفرصة لشبابنا شيء من التميز وسابقة لم تكن قد مُنح مثلها.
في افتتاح المهرجان لغة خاصّة تحمل طابعاً، يكاد يكون هو العلامة الفارقة غالباً، والتي تميّز أي مهرجان عن غيره، فالبروتوكولات تكاد تكون واحدة إلا في حفل البداية، وأعني أن في كلّ مهرجان يوجد لدينا لجنة تحكيم ومجموعة أفلام ومكرمون وفائزون… إلخ وهذا متشابه من أكبر مهرجان سينما إلى أكثرها تواضعاً، ولكن لحفل الافتتاح نكهة الاختلاف بين كلّ مهرجان وغيره وحتى في الدورات المختصة في كلّ مهرجان على حدة، وفي حفل افتتاح مهرجان سينما الشباب والأفلام القصيرة الثاني كان لدينا طابع خاص في حفل الافتتاح أيضاً.

ثلاثة ممثلين شباب كانوا من قدّم الحفل بطريقة مقاطع تمثيليّة تعبّر عن خطوة الدعم التي قدّمتها المؤسسة العامة للسينما، منذ مرحلة الإعلان إلى مرحلة كتابة النص وتقديمه والعمل على إخراج الفيلم وانتقاء ممثليه والمشاركة في المسابقة، وتخلل هذا التقديم استضافة شخصيّات لها بصمة خاصّة في السينما السوريّة خلال تاريخها مع أفلام توثيقيّة حملت لقطات من الصورة القديمة المصطبغة برائحة التعب والإبداع والاجتهاد للأوائل الذين مهدوا الطريق لمن جاء بعدهم في عالم السينما.
لفنان الشعب القدير «رفيق سبيعي» طلته الخاصّة فكان أول من ألقى كلمة في الافتتاح حاملاً ملاحظات وذكريات رواها على الحضور ليبقى الصورة الحاضرة في ذهن الكبير والصغير فينا، ومن الضيوف الذين شاركوا في الافتتاح أيضاً بهجت حيدر الذي حدّثنا عن فيلم «المخدوعون» باختصار وكيف كان هذا الفيلم الذي يعدّ من أنجح أفلام السينما العربيّة التي تحدّثت عن القضيّة الفلسطينيّة والذي جاء عن رواية «غسان كنفاني» وتحدّثنا عنها في مقالٍ خاصّ سابقاً، وشاركه الحديث عن الفيلم أحد أبطاله وهو الفنان «بسام لطفي» الذي ذكر لمحات سريعة في ذكرياته مع المخرج «توفيق صالح». ومن المشاركات أيضاً «لينا حوارنة» بطلة فيلم «نسيم الروح»، الفنان «تيسير إدريس» الذي قدّم رقصة للذكرى مع المخرج عبد اللطيف عبد الحميد»، وأضفى بهذه الرقصة جوّاً جميلاً يليق باحتفالية تدعو للتفاؤل والتطلع لإنجازات إبداعيّة مستقبيلية تليق بشباب سورية، وبعدها ألقى المخرج عبد اللطيف عبد الحميد كلمته للمهرجان، من ثم كانت الفنانة ميادة بسيليس وأغنيتها «باقيين» كختام للحفل مع الفرقة الراقصة المؤلفة من طلاب وخريجي المعهد العالي للفنون المسرحيّة – قسم الرقص.
تلك كانت لمحة عما جرى يوم الافتتاح إضافة للفيلم التوثيقي الذي روى حكاية خاصّة عن السينما السوريّة عبر تاريخها، مع كلمة مدير المؤسسة العامة للسينما «محمد الأحمد»، التي شكر فيها الحضور وأثنى على الجهود المبذولة للمشروع وخطاه المتسارعة على الرغم من عمره القصير زمنياً، وتعرفنا بعدها على أعضاء لجنة التحكيم وهم: عبد اللطيف عبد الحميد، سعد القاسم، ميسون أبو أسعد، محمد عبد العزيز، رجاء مخلوف.
ليأتي دور التكريم، وأسماء المكرمين في هذه الدورة: علي ليلان «مدير الإضاءة»، ومدير الإنتاج «جورج بشارة»، ومدير التصوير «منير جباوي»، والمخرج «غسان شميط»، والفنانة «فاديا خطاب»، والفنانة «نادين خوري»، والفنان «رفيق سبيعي»، فكانت البداية والختام له. وجرى بعد انتهاء الحفل عرض للأفلام القصيرة الفائزة في الدورة الأولى من المهرجان.
ما يلاحظ على هذه الدورة هو مجموعة العناصر الكثيرة التي تدل على وجود تاريخ حقيقي للسينما السورية وموادها الكثيرة لكن في حفل الافتتاح بدت غير منسجمة مع بعضها ولربما كلمة مخرج العرض «مأمون الخطيب» بررت لنا ما حصل من تأخيراًت تقنية وعدم وصول صورة متكاملة بين مقدمي العرض الممثلين الثلاثة «لجين اسماعيل» و«يامن سليمان» و«أريج خضور»، وهو أن التحضير كان قبل يومين فقط من الافتتاح، بالتالي النتيجة تعدّ ممتازة مقارنة بالوقت الممنوح لهم!
لكن البروشور المقّدم لهذه الدورة لم يحمل حالة من الوضوح كما كان في الدورة الأولى التي عرفت بمخرج الفيلم وكاتبه، على حين في هذه الدورة كان المرور سريعاً على وقت العرض واسم الفيلم فقط، وكان الأجدر أن يكون التعريف شاملاً بالشباب الذي قدموا واجتهدوا وصولاً لأيام العرض، فالمهرجان معني بهم أولاً وأخيراً!
في الدورة الأولى بدا حضور الشباب واضحاً أكثر في الشكل الرسمي لحفل الافتتاح على حين في حفل الافتتاح الحالي كانت الإشارة للشباب ضعيفة إلى حدٍّ كبير لولا الإشارة في الفيلم التوثيقي «ضعيف المنتجة» الذي عُرض على الحضور وكلمة «السينما السوريّة تجدد شبابها والتي جاءت بعد مرور منتصف الوقت على حفل الافتتاح. وقد كان كل من حضر وتكلم وتحدث هم من الجيل القديم ولم يكن للشباب أي حضور في الكلام والحديث عما أنجزوه وقدموه خلال أكثر من عام مضى، فهناك من حصد الجوائز وهناك من شارك منتجه في مهرجانات دولية وإقليمية وقد ذكرنا عنها بالتفصيل في مقالاتٍ مفصلة في «الوطن».
من الملاحظات التي يمكن لنا ذكرها أيضاً الحديث عن المعهد السينمائي الذي أشار إليه مدير المؤسسة وهو خطوة وبادرة فاعلة وقد درست فيه دفعة أولى وهو يدرس علوم السينما من إخراج وفنون سينمائية أخرى وهذه بادرة طيبة علينا أن نثني عليها ونتابع ما يمكن متابعته من نتائج ستقدمها.

عبد اللطيف: لست ملكاً لنفسي
أنا رهن للشباب
رئيس لجنة التحكيم للدورة الثانية من المهرجان المخرج «عبد اللطيف عبد الحميد» ولدى سؤالنا عن المسؤوليّة في اختيار الفيلم الأفضل لهذه الدورة يقول: «المسؤوليّة تشكّل لي عبئاً حتى في الحياة اليوميّة خاصّتي، فكلّ خطوة عليّ دراستها، فالشعور بأنّني لست ملكاً لنفسي هذا بحدّ ذاته شعور له معنى كبير، فلا يجوز لي أن أخذلهم أو أخيب آمالهم، حتى على صعيد السلوك الشخصي، فهؤلاء مؤمنون بي، وهنا يقع العبء الحقيقي. أمّا العلاقة مع الشباب في هذا المهرجان؛ فأنا أعلم أنهم يعوّلون الكثير على وجودي معهم، فوجود 26 فيلماً مع جهود مبذولة وتعب وإبداعات متنوّعة، بالتالي سأكون حذراً في التقييم، لأن هناك نتيجة ستظهر، فكما أنه سيكون هناك فائز فكذلك هناك من سينحّى فيلمه جانباً، وسأكون عادلاً في تقييمي ولكن نتيجة تصويت أعضاء لجنة التحكيم، وعدد الأصوات هي من سيحكم في النهاية». وفي مشروع دعم سينما الشباب وما يتعلق بفترة التصوير المحصورة في يومين فقط لكلّ تجربة يعلّق «عبد الحميد»: «برأيي هي فترة قليلة، فمن وجهة نظري؛ على الأقل يجب منحه 5 أيام يتروى خلالها في تقديم عمله كما يجب، لكن مع ذلك وضع الشاب أمام تحدّ في يومين، ليصنع فيلماً قصيراً، فهذا بحدّ ذاته جميل جداً».

شميط: فرصتنا نادرة مقارنة بفرص شباب اليوم
المخرج «غسان شميط» أحد المكرمين في الدورة الثانية من المهرجان، وعن تكريمه يقول: «أن يأتي التكريم من المؤسسة العامة للسينما؛ فهذا يعني لي الكثير، وكيف ذلك وأنّني ابنها وأنتمي إليها! فهي من قدّم الفرصة لكلّ المخرجين السينمائيين السوريين، وهي من منحتنا الراحة في صنع الفيلم السوري النظيف فنيّاً وفكريّاً، وهذا ما حافظت عليه على مدى سنوات وسنوات، والتكريم يعني لي أنّه اعتراف بما قدّمته وما أنجزته سينمائيّاً بعد هذا العمر، وهو حافز بالنسبة لي لأقدّم المزيد والمزيد، وإذا سألتني ما الفيلم الأجمل الذي صنعته سأقول بأنّه: الفيلم القادم». أيضاً «غسان شميط» كان أحد أعضاء لجنة التحكيم في الدورة الأولى من المهرجان، وعن مستوى الأفلام التي تمّ اختيارها وترتيبها في الدّورة الأولى يقول: «أولاً الفرصة التي قدّمتها المؤسسة للشباب هي فرصة مهمّة جداً، وعندما كنّا شباباً لم نحظَ بمثلها أبداً، وكانت فرصتنا نادرة بالمقارنة مع اليوم، وهي سابقة لم تقدّمها مؤسسة سينمائيّة من قبل، وبالنسبة لمستوى الأفلام التي دخلت المسابقة في الدورة الماضية؛ فقد كانت مختلفة المستويات، لكن القسم الأكبر منها جيد ولائق، بدليل الجوائز التي حصدها بعضها في مهرجانات خارج سورية».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن