من دفتر الوطن

وباء التزييف العميق

| حسن م. يوسف

رغم علاقتي القديمة بالكمبيوتر، ومتابعتي لمستجدات الذكاء الصناعي، إلا أنني فتحت فمي من فرط الدهشة عندما شاهدت فيديو الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وهو يؤدي أغنية «عالمايا» للفنان الراحل دياب مشهور، على حين بوتين وشي جين بينغ وماكرون وأبرز زعماء العالم يردون عليه! وقد انفجرت في نوبة من الضحك عندما رأيت قبل أيام الفنان الكوميدي البريطاني روان أتكينسون المشهور باسم (مستر بين) وهو يؤدي ببراعة أغنية «يا صلاة الزين» للفنان الراحل محمد عبد المطلب!

هذه التقنية تسمى «التزييف العميق» deep fake وقد نحت هذا المصطلح واستخدم لأول مرة في نهاية عام 2017. يقومُ التزييف العميق باستخدام تقنية التعلم والذكاء الاصطناعي إذ يفكك الصور ومقاطع الفيديو والصوت، ويقوم بتعديلها رقمياً ليبني على نسقها صوراً ومقاطع فيديو وصوتاً جديداً، يقوم خلالها الشخص أو الأشخاص بفعل وقول أشياء لم يفعلوها ولم يقولوها مطلقاً.

في البدايات استخدمت عملية التزييف العميق في مجال السينما وفنون الترفيه، لكنها تستخدم الآن لتلفيق الأخبار ونشر المعلومات المُضلِلة وتشويه سمعة الناس والتسبب في صراعات اجتماعية وسياسية خطيرة وإنتاج مواد إباحية، وانتحال شخصيات… الخ.

في البدايات كانت عملية التزييف العميق تتطلب تقنيات متطورة ومعقدة للغاية، أما الآن فقد تم تطوير تطبيقاتها وتبسيطها حيث صارت متاحة بشكل متزايد، والمشكلة الكبرى هي أن برامج الكشف عنها والقوانين الضابطة لها لا تواكبها ولاتجاريها في تطورها. فقد أظهر باحثون يعملون لمصلحة الأمم المتحدة أنه «بات من الممكن تزوير الخُطَب في 13 دقيقة فقط». مما يدلل على أن عمليات التزييف العميق باتت الآن أسهل.

وقد كانت الممثلة الأميركية سكارليت جوهانسون من أول وأبرز ضحايا التزييف العميق، إذ تم استهدافها بفيلم جنس مفبرك. وقد أعربت جوهانسون عن قلقها من هذه «الظاهرة» في مقابلة أجرتها معَ «واشنطن بوست» في كانون الأول عام 2018 وصفت فيها عالمَ الإنترنت بأنهُ «ثقبٌ كبيرٌ من الظلام يأكل نفسه».

وقد صدر مؤخراً تطبيق خطر اسمه «عري عميق» يقوم بإزالة ملابس النساء من الصور ويظهرهن عاريات، لكنه منع من التداول لكثرة استخدامه في عمليات الانتقام والابتزاز.

كما كشفت إحدى الدراسات مؤخراً أن المؤسسات المالية الأميركية خسرت 20 مليار دولار في عام 2020 بسبب عمليات التلاعب الرقمي بهويات العملاء.

ما دفعني لإثارة هذا الموضوع الذي قد يبدو لكثيرين موضوعاً نخبوياً لا علاقة له بواقعنا، هو ما تناقلته وسائل الإعلام مؤخراً عن قيام الجهات الأمنية السورية بإلقاء القبض على مهندس معلوماتية يدعى (م. ج) ثبت أنه يقوم بسرقة صور الفتيات الموجودة على صفحاتهن في الفيس بوك وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي ليقوم عبر تقنية التزييف العميق بدمجها رقمياً في أفلام وصور إباحية، ثم يقوم بابتزاز ضحاياه من أرقام خارج القطر، ويطلب منهن أن يحولن له مبالغ مالية كبيرة. وتفيد الأنباء أن هذا المهندس المعلوماتي قد اعترف بأنه عضو في شبكة تعمل خارج القطر.

نعم أيها السادة نحن لسنا خارج العصر، وقد نجد أنفسنا قريباً مرغمين على الشك بأي صورة أو مقطع مسموع أو مصور، لأن التقدم التقني يتصاعد بوتيرة تفوق الخيال، والمصيبة أن المحتالين يقطفون ثماره أولاً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن