سورية

سورية تحتاج إلى رجال أعمال حقيقيين وليس جامعي أموال وعاقدين للصفقات..

| الوطن

مع افتتاح المرحلة الأولى من مشروع الطاقة الكهرضوئية في مدينة عدرا الصناعية والذي سيولد عند انتهائه ١٠٠ ميغاواط ستضاف تباعاً إلى الشبكة الكهربائية، ما يعني أنه سيستفيد منها كل السوريين وفي كل القطاعات وخاصة الإنتاجية، بات الطرح الذي يفرض نفسه، والذي لا بد أن نخطط له، ونطمح إليه يتمحور حول نماذج الاستثمار في سورية والتفكير الاستثماري وخاصة في هذه المرحلة التي تحتاج فيها سورية إلى مستثمرين حقيقيين، لا جامعي أموال أو عاقدين صفقات على غرار أغلبية من يطلقون على أنفسهم في هذه الأوقات لقب «رجل أعمال».

لنتوقف قليلاً عند كلام السيد الرئيس بشار الأسد في إطلاق هذا المشروع وإشاراته المتعددة عن نماذج الاستثمار في سورية ولماذا اعتبر هذا المشروع أنموذجاً لتفكير ونمط استثمار جديد، وما الرسائل التي أراد رئيس الجمهورية إيصالها إلى المستثمرين في سورية.

بداية ليس بجديد اهتمام الرئيس الأسد بالقطاعات الإنتاجية في سورية وضرورة ضمان استمرارها بالإنتاج لما توفره من وظائف وخبرات، وقطع أجنبي للمنشآت التي تصدر منتجاتها أو التي تنتج بدائل عن المواد المستوردة، وسبق له أن زار عدة مدن صناعية واستمع إلى معوقات الصناعيين ووجه الحكومة بإيجاد الحلول وفقاً للإمكانات المتاحة وفي كلام الرئيس الأسد إشادة دائمة بكل صناعي بقي في سورية وبقي مستمراً بالإنتاج وصمد في وجه العقوبات الدولية، رافضاً مغادرة سورية ومغادرة منشأته والاستسلام أمام الضغوطات الاقتصادية.

لكن رسائل الخميس الماضي كانت تستهدف المسؤولية المجتمعية والوطنية للمستثمرين في سورية، وضرورة توجيه الاستثمار بحيث ينعكس على كل المجتمع لا على جيوب المستثمر فقط، ومن هنا كان وصف سيادته هذا المشروع بالنموذج الاستثماري لما سيكون له من منعكسات ملموسة على كل سورية وليس على المستثمرين فيه فقط، وهو على غرار أي مشروع استثماري، أي أنه رابح بكل تأكيد لكن ليس على المدى القريب بل البعيد، لكن مع كل مرحلة من مراحل تطوره وتوليد مزيد من الطاقة، سيسمح هذا المشروع لباقي المشاريع بالتطور وسيوفر مزيداً من فرص العمل داخله وفي عموم سورية.

فالمقصود بالطرح الجديد هو أن يفكر «رجال الأعمال» والتجار والصناعيون وأصحاب المال، بمشاريع تعود بالنفع على سورية وعموم السوريين، لا أن ينحصر تفكيرهم بالمشاريع الصغيرة ذات الربح المضمون والتي يستعيدون من خلالها رأسمالهم خلال أشهر قليلة من دون أن يتحملوا أي مسؤولية اجتماعية أو وطنية، ومن دون أن يكون لمشاريعهم هذه أي تأثير على عامة الناس.

فالمطلوب اليوم ليس استثمار مركز تجاري وإعادة بيعه محاضر وتحقيق الأرباح، وليس استثمار مطعم جاهز وإعادة ترميمه ليصبح منشأة تدر المال على أصحابها، قد يكون البعض بحاجة إلى هذه المشاريع، لكن لا يمكن بأي حال من الأحوال إطلاق مصطلح رجل أعمال أو تاجر على هؤلاء «المستثمرين» الذين هم أقرب إلى جامعي الأموال أو عاقدين للصفقات وهؤلاء وفي هذا الوقت تحديداً، سورية ليست بحاجة لهم بقدر ما هي بحاجة لرجال أعمال حقيقيين يستثمرون أموالهم في مشاريع هدفها تخفيف معاناة الناس، والتخفيف من عجز الموازنة وتوفير القطع الأجنبي، وهذا يتم من خلال مشاريع ضخمة مثل مشاريع توليد الطاقة، ومشاريع إنتاج المواد المستوردة، والمشاريع الزراعية العملاقة، ومشاريع البنى التحتية.

فرجال الأعمال اليوم تقع على عاتقهم مسؤوليات جسيمة ومنها المسؤولية الوطنية والوعي الاستثماري حيث يكونون سنداً لمؤسسات الدولة ورديفاً لها. فهذه المسؤولية تقع على جميع القطاعات العام والخاص والمشترك وليس على الدولة فقط، وفي هذه الأوقات المسؤولية تكون مضاعفة على أصحاب المال، أي إنه من غير المعقول أن تكون البلد تعاني من مشاكل كبيرة في بناها التحتية وقطاع الخدمات، ويكون توجه البعض من رؤوس الأموال نحو المشاريع الاستهلاكية فقط!!

طرحنا هذا الأنموذج من «رجال الأعمال» لنقارنه مع مجموعة رجال الأعمال الحقيقيين الذين جمعوا المال فيما بينهم وأسسوا لمشروع عدرا الصناعية لإنتاج الطاقة والذين يدركون أنهم لن يستردوا رأسمالهم في القريب العاجل، لا بل يحتاج ذلك إلى سنوات طويلة، لكنهم بادروا وعملوا وأسسوا وفعلوا في العمل فكانوا أنموذجاً لرجال الأعمال المخلصين لوطنهم ولمجتمعهم.

فسورية اليوم وأكثر من أي وقت مضى بحاجة إلى رأس المال الشجاع الوطني المؤمن بمستقبل سورية وتتعافي سورية، رأس مال هدفه الاستثمار في سورية ومن أجل سورية والسوريين، وهذا هو الطرح الذي يجب أن نعمل عليه اليوم لنبني تكتلات مالية تستثمر في المشاريع الحيوية يكون هدفها وطنياً وربحياً في الوقت ذاته، لا أن يكون فقط استهلاكياً ويشكل نزيفاً لموارد الدولة التي تحتاج اليوم لكل أبنائها في الداخل والخارج من أجل أن ينهضوا بسورية ويعيدوها كما يريد السيد الرئيس أفضل مما كانت عليه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن