هل أعمال المنصات الإلكترونية تجارية.. أم إنها تحمل رسالة فنية هادفة … باسم السلكا لـ«الوطن»: نواجه سوء تقدير وفهم لعمل المنصات
| هلا شكنتنا
لم يعد التنافس بين الأعمال الدرامية محدداً فقط خلال الشهر الكريم، كما لم يعد هذا التنافس مقتصراً على الشاشات الفضائية، حيث ظهرت في السنوات الأخيرة المنصات الإلكترونية التي تعرض أعمالاً درامية متنوعة من حيث قصصها وأبطالها.
المنصات أعطت حرية في الاختيار
حيث باتت هذه المنصات تجذب أنظار المتابع بشكل كبير، لكونها تسمح لهم بمتابعة الأعمال التي تناسبهم وفي أوقات مختلفة، لتجعلهم أصحاب القرار الأول والأخير في التحكم بأوقات المتابعة، وهذا الأمر جعل من المنصات وسيلة بصرية جديدة يعتمد عليها المتابع في أغلب أوقات فراغه.
كسبت ثقة الجمهور بسرعة كبيرة
من الملاحظ أيضاً أن هذه المنصات استطاعت أن تكسب ثقة الجمهور من خلال تعاونها مع أهم نجوم العالم العربي، إضافة إلى اختيارها لقصص وحكايات شائقة وقصيرة في الوقت نفسه، كما أن الصورة البصرية التي تظهر في الأعمال الدرامية والتي تعرض على المنصات قادرة على أن تستحوذ عين المتابع بسبب جمالها وتركيزها على نقاط معينة تجعل الصورة الدرامية أكثر تشويقاً، ولا يمكننا نسيان مواقع التواصل الاجتماعي والهواتف المحمولة التي ساهمت أيضاً في وجود المنصات وانتشارها بشكل أسرع بين الجماهير.
تحدياً أمام صناع الدراما التلفزيونية
لكن على ما يبدو فإن وجود هذه المنصات بات يشكل تحدياً حقيقياً في وجه منتجي الأعمال الدرامية الطويلة، الذين باتوا يبحثون عن سيناريوهات شائقة ليتم عرضها في الشهر الكريم، كما أن البعض أيضاً اتجه لصناعة أعمال قصيرة على شكل حلقات متسلسلة تمتد بين الخمس والعشر حلقات حسب حاجة القصة المقدمة.
اتجاه جديد لبعض صناع الدراما
وهذا الاتجاه الذي بات يسير عليه بعض صناع الدراما لم يأت عن عبث، بل جاء بهدف الوجود بشكل أكبر على الساحة الفنية خوفاً من منافسة المنصات وشهرتها الواسعة، أما البعض الآخر من صناع الدراما ومتابعيها فمازالوا يرون أن الأعمال الدرامية الطويلة هي الأساس في العمل الدرامي، وكل ما يقدم على المنصات هي أعمال تجارية بحتة وتقدم فقط من أجل التسلية والترفيه.
أسئلة متعددة وأجوبة مهنية
كما عبر البعض ومن خلال متابعتنا لمواقع التواصل الاجتماعي عن أن أعمال المنصات هي أعمال آنية لا تستطيع أن تبقى في ذاكرة المشاهد أكثر من عدة أشهر، وذلك بسبب كثرة العروض المطروحة على المنصات والتنوع في الأعمال، وهذا الأمر بالتأكيد يعتبر بمنزلة نقطة سلبية للمنصات، ومن هذا المنطلق ولأننا نعلم بأن العالم اليوم بات يتجه نحو التكنولوجيا والتطور، أحبت «الوطن» أن تسلط الضوء على المنصات الإلكترونية وتبحث في خفاياها، لنطرح عدة أسئلة أهمها: «هل الأعمال الدرامية التي تعرض على المنصات هي تجارية؟ أم إنها تقليد للمجتمع الغربي في صناعته الدرامية! وباستطاعتها البقاء في ذاكرة الجمهور، وهل العشاريات التي تقدم شبيهة بأعمال المنصات»؟
أهميتها تكمن من خلال هذه الشروط
للتأكد من جهة مهنية تواصلت «الوطن» مع الكاتب والمخرج «باسم السلكا» الذي تحدث في البداية عن أهمية المنصات قائلاً: «لا شك بأن أهمية المنصات تكمن في وجود الشروط الصحية للمنصة سواء كانت عربية أم عالمية مثل منصة شاهد ومنصة نيتفليكس وغيرها من المنصات المشهورة، وعندما تنتج هذه المنصات أعمالاً درامية تعتمد في إنتاجها على العمل المثالي المقاربة للشروط الموجودة في السينما، وخاصة أن الأعمال التي تعرض أو التي يتم شراؤها من المنصات تخضع لرقابة فنية وتقنية شديدة، وذلك بهدف اختيار أعمال تكون من أهم وأجود الأعمال العالمية، وبالتالي المنصات هي عملية نخب الأعمال المهمة وهذه وظيفتها الأساسية، كما أن المنصات تسمح للأعمال أن تصل للعالم بشكل أجمع، وخاصة من خلال ترجمتها للأعمال الدرامية، وإذا أردنا الحديث عن مقارنتها في الوقت الحالي فهي تذكرني بأيام ظهور الفضائيات التلفزيونية، فعلى سبيل المثال كانت الدراما السورية تعتمد فقط على العرض المحلي، لكن عندما توافرت الفضائيات العربية أصبحنا نرى أعمال البيئة الشامية ومرايا على قنوات عربية أخرى، وبالتالي ساهمت هذه الفضائيات بزيادة الإنتاج والعرض وخاصة أوائل الألفينيات، التي نطلق عليها العصر الذهبي للدراما السورية وذلك بسبب وجود سوق لهذه الأعمال».
الزمن اختلف
أما عن رأيه فيما إذا كانت أعمال المنصات قادرة على أن تبقى في ذاكرة الجمهور لسنوات طويلة، أوضح المخرج السلكا قائلاً: «لكي نكون صريحين نحن الآن نعيش مرحلة تمثل مشكلة مع الزمن وليست مع شكل العمل، وخاصة أن هذا التخوف يقع أيضاً على الأعمال الطويلة والمنصات والسينما، سابقاً كنا نرى أن أفلام السينما على سبيل المثال كانت تبقى خالدة لسنوات وأجيال ومازالت حاضرة في ذاكرة الجمهور حتى الآن وهذا الأمر ينطبق على الدراما أيضاً، أما حالياً ولنكون واقعيين هل يوجد عمل رمضاني من ثلاثين حلقة ومهما بلغ من الامتياز يستطيع أن يبقى في ذاكرة الجمهور أكثر من ثلاث سنوات!، وأؤكد على أن جميع الأعمال سواء كانت سورية أم عربية أو مصرية لم تستطع خلال عشر سنوات أن تخلد الأعمال في ذاكرة الجمهور إلا لفترة قليلة، أما سابقاً فقد كانت الأعمال مختلفة وبقيت معنا حتى يومنا هذا، ومن الأمثلة «الفصول الأربعة، ليالي الصالحية» وغيرها الكثير، حقيقة الزمن اختلف بشكل عام، وذاكرة الجمهور أصبحت للأسف أقصر نتيجة الظروف الحياتية ووجود مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى العروض الكثيرة التي أصبحت أمام المشاهد، حتى الأفلام الأجنبية لم نعد نرى أنها تبقى لسنوات».
تقديم الأعمال على المنصات أشبه بشروط السينما
وبالحديث عن الاتهامات التي توجه لأعمال المنصات ويتم تصنيفها بأنها أعمال تجارية بحتة، أعرب السلكا عن استغرابه من تعامل البعض مع المنصات وعدم تفهمهم لشروطها قائلاً: «لا يمكن إطلاق الأحكام، حقيقة نحن نواجه في سورية ولبنان سوء تقدير وفهم لفكرة عمل المنصات، ونحن إذا أردنا تلخيص عمل المنصات فهو عمل بحلقات متسلسلة قصيرة غير محددة المدة، وعدد الحلقات يكون محكوماً بنهاية القصة، بمعنى أصح غير مشروط بالشهر الرمضاني، ويتم تقديم العمل على المنصات بتوقيت أقرب لشروط السينما وذلك من اختيار وقت العرض، أي المتابع هو من يقرر الوقت الذي يحضر للحلقة من العمل، ويتطلب ذلك العناية الشديدة بتقديم المادة، وعندما وجدت المنصات بالخارج تم العمل معها مثل السينما وصناعتها من خلال جودة النص والصوت والصورة، لكن للأسف في سورية مازال يتم التعامل مع هذه الأعمال على مسميات غريبة مثل عشارية أو خماسية، وأعتقد أن مصطلح عشارية جاء من باب تصنيف تجاري بحت بين المنتج والقناة العارضة، أما العمل في المنصة بشكل عام فيقدم الحكاية لجهة الإنتاج ويتم تكثيف الحكاية على الورق بشكل كبير، ويتم توفير العوامل التي تساعد على تنفيذ هذا العمل، ومن بعدها يتم تقديم اقتراح لامتداد هذه الحكاية في حال أخذت جماهيرية عالية، حقيقة المنصات العالمية تتجه نحو جودة العمل وبأهم الشروط التقنية، على حين ما زلنا في سورية نتعامل مع هذه الأعمال على أنها أعمال رمضانية من حيث عدد أيام التصوير وطبيعة السيناريوهات المقترحة، وذلك فقط لتعبئة أوقات المحطة خارج أيام الشهر الكريم، حقيقة في سورية يوجد لبس شديد عند الجمهور وصناع العمل بين عمل المنصة وبين العشاريات والخماسيات، ولو كان عمل المنصة حقيقياً ويستوفي شروط المنصات العالمية بالتأكيد فهو عمل تجاري لكنه عمل فني مهم أيضاً، بشكل عام لا نستطيع أن نعزل عن هذه الصناعة فكرة التجارة والربح والخسارة، حتى في الأعمال الرمضانية عندما نقول بأنه عمل رابح، يعني أنه عمل نجح في الوصول إلى أكبر عدد من الجمهور وهذا لا ينفي بأنه عمل فني مهم».
المنافسة تقف على جودة العمل فقط
وفي النهاية أوضح المخرج «باسم السلكا» حينما تحدث عن فكرة المنافسة بين الأعمال التلفزيوينة وأعمال المنصات، قائلاً: «بالتأكيد لا، بدليل أنه يوجد تهديد على المسرح مع بداية ظهور السينما، لكن مع الوقت استطعنا أن نرى بأن كل واحد منهما بقي في مكانته، وعند وجود التلفزيون حصل الأمر ذاته لكن السينما بقيت محافظة على مكانتها، حقيقة العمل الناجح مهما كان عدد حلقاته أو كان عرضه على منصة أو تلفزيون لا يمكن تهديده، إنما الأمر يقف على جودة العمل بمعنى أن العمل التلفزيوني الجيد هو الذي يهدد العمل الرديء، وبمعنى آخر، عمل درامي جيد من سبع حلقات عرض على منصة قادر على أن يهدد عملاً متوسطاً رمضانياً، والعكس صحيح».