«الاقتصاد السياسي»… أليات معالجة … المواقف المختلفة للمذاهب الاقتصادية السياسية
| مايا سلامي
صدر عن وزارة الثقافة- الهيئة العامة للكتاب كتاب بعنوان «الاقتصاد السياسي»، تأليف باري كلارك وترجمة عدنان حسن، يقع في 624 صفحة من القطع الكبير، ويعالج هذا الكتاب موضوع الاقتصاد السياسي بوصفه علماً قائماً بذاته يربط السياسة بالاقتصاد ويدرس نشأته وتاريخه وتطوره ومؤسسيه ومدارسه ومذاهبه، ويركز بالدراسة على أربعة مذاهب أو منظورات رئيسة هي: المنظور الليبرالي الكلاسيكي والمنظور الراديكالي والمنظور المحافظ والمنظور الليبرالي الحديث، ويقدّم نبذة تاريخية عن كل منظور وأهم أفكاره الأساسية وأشهر مؤسسيه، ثم يعالج مواقف هذه المذاهب الاقتصادية السياسية من القضايا المعاصرة المثيرة للجدل والخلاف وهي: الحوكمة والسوق والتضخم والبطالة والفقر واللامساواة والعمل والصناعة والأقليات والتمييز والنوع الاجتماعي والتعليم والثقافة والتلوث والبيئة والتجارة الدولية والتنمية والعلم والأيدولوجيا. كما أنه كتاب تثقيفي ومرجعي لكل مهتم أو باحث أو دارس للاقتصاد السياسي لما يحمله من معلومات وآراء مختلفة وما يمثله من تكثيف للجهد والعرض والتحليل، وقد حاز مترجمه جائزة سامي دروبي للترجمة لعام 2020.
الخواص المميزة
وفي البداية يشير الكاتب إلى أنه يمكن تمييز علم السياسة وعلم الاقتصاد بالاستناد إلى الخواص المميزة الثلاث، الهدف الأولي الذي يتم السعي إليه، والساحة المؤسساتية التي يسعى ضمنها وراء الهدف، والفاعل الأولي الذي يختار الهدف. فباستعمال هذه التمييزات يمكن تعريف الاقتصاد بأنه السعي الفردي إلى الازدهار من خلال السوق، في حين أن السياسة هي السعي الجماعي إلى العدالة من خلال الحكومة. ومع ذلك فإن التمحيص الأدق لكل واحدة من هذه الخصائص المميزة سيكشف الطبيعة غير المرضية لهذه التعريفات. فيقول هنا: «إن التمييز بين الاقتصاد والسياسة فقط بالرجوع إلى أهدافهما المقابلة هو غير مرض بشكل مطلق لأن الازدهار والعدالة مرتبطان ارتباطاً لا فكاك منه، فالمجتمع المزدهر هو أكثر رجحاناً لأن يتم تصوره بوصفه مجتمعاً عادلاً لأن مجال الاختيار الفردي يكون عريضاً وينحو النظام إلى أن يسود…. ولأن الازدهار والعدالة غالباً ما يتقويان بشكل متبادل فإن التفريق بين السيرورتين السياسية والاقتصادية بالرجوع إلى هدفيهما المختلفين هو غير حاسم، إن كلاً من الاقتصاد والسياسة معنيان بتعزيز الرفاه الإنساني بالحفاظ على الازدهار والعدالة.
الليبرالية الكلاسيكية
في هذا الجانب يستعرض المؤلف المنظور الليبرالي الكلاسيكي، فيرى أن الليبرالية الكلاسيكية بتركيزها على الاختيار الفردي بوصفه المحدد الأولي للمحصلات الاجتماعية ملائمة بشكل مثالي لأجل التعبير على شكل نظرية اقتصادية. وفي الحقيقة يتوازى التطور التاريخي لليبرالية الكلاسيكية بشكل محكم مع تاريخ الفكر الاقتصادي، بدءاً بالاقتصاد السياسي الكلاسيكي مستمراً مع الفرع النمساوي من علم الاقتصاد النيوكلاسيكي، ويبلغ ذروته في تشكيلة من الكيانات الراهنة للفكر التي تشمل علم الاقتصاد النمساوي الجديد، نظرية الاختيار العمومي، علم الاقتصاد الكلاسيكي الجديد، القانون وعلم الاقتصاد، علم الاقتصاد المؤسساتي الجديد، علم الاقتصاد الدستوري، المذهب التحرري، علم اقتصاد طرف العرض، النقدوية، ونظرية حقوق الملكية.
كما يتحدث عن أهم مؤسسي الليبرالية الكلاسيكية، وهم: توماس هوبز، جون لوك، آدم سميث، توماس مالتوس، فريدريش هايك، روبرت نوزيك.
وعن حال الليبرالية الكلاسيكية اليوم يوضح كلارك أن «الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن العشرين سدد ضربة ساحقة إلى الليبرالية الكلاسيكية بإقناع عدد كبير من المواطنين بأن السوق الحرة لا يمكن أن يعهد إليها بأن تنظم النشاطات الاقتصادية. منذ كساد سبعينيات القرن العشرين كان الليبراليون الكلاسيكيون غائبين بشكل واضح عن الخطاب العام».
المنظور الراديكالي
يؤكد كلارك في هذا الجانب على أن تحليل الرؤية الراديكالية للحكومة يتطلب تفريقاً بين المنظور الماركسي وبين الأشكال غير الماركسية من الراديكالية. من المنظور الماركسي التقليدي فإن مفهوم الدور «الصحيح» للحكومة بحد ذاته لا معنى له. حيث يجادل الماركسيون في أن الحكومة تعكس شروط الإنتاج في أي مجتمع مفترض وأن الأوضاع المتغيرة ستؤدي إلى أدوار جديدة للحكومة. ففي المجتمع الرأسمالي تخدم الرأسمالية بالدرجة الأولى مصالح البرجوازية بتسهيل تراكم رأس المال أما في الاشتراكية فتدير الحكومة الإنتاج لمصلحة المجتمع ككل. وبالانتقال إلى الأشكال غير الماركسية من الراديكالية، يذكر الكاتب أنه: «نجد وظائف معينة ينبغي للحكومة أن تؤديها في أي مجتمع فالدور الصحيح للحكومة هو أن تخدم كممثلة للمصالح الجماعية لكل المواطنين، وينبغي أن تكون الحكومة قابلة للمحاسبة التامة أمام العامة بسبب أعمالها وهذا المثال لا يمكن تحقيقه إلا عندما يشارك معظم المواطنين أو كلهم بشكل فاعل في السيرورة السياسية، فتعجز الحكومة في المجتمع الرأسمالي عن تحقيق المثال الديمقراطي لأن السلطة الطبقية غير المكافئة تحرف السياسة لمصلحة أصحاب رأس المال».
المنظور المحافظ
ويتناول هذا الكتاب طبيعة العمل من جانب المنظور المحافظ، حيث يكشف المحافظون عن آراء متضاربة تجاه العمل فيلجأ بعض المحافظين الدينيين إلى فكرة الخطيئة الأصلية للمجادلة في أن العمل هو عقوبة الجنس البشري على تحدي إرادة اللـه ولذلك فهو مزعج بالضرورة. ومع ذلك يجد معظم المحافظين العمل مشرّفاً ومثمراً عندما يتناغم مع نظام طبيعي تتشابك فيه الهرمية الاجتماعية مع القدرات الطبيعية المتحولة للأفراد المختلفين في مجتمع غير ملوث بالفردانية والمادية المنشرتين، سيقبل المواطنون المهن الملائمة لقدراتهم ومكانتهم الاجتماعية حتى المهام الأكثر حقارة توفر فرصاً للإشباع الشخصي لأن كل الوظائف تساهم في أداء المجتمع الفعال لوظائفه.
ويقول الكاتب: «يؤمن المحافظون بأن الأشخاص يطورون مواهبهم ويجدون هدفاً في حيواتهم فقط في سياق البنى الاجتماعية المشبوكة بدقة كالعائلات والكنائس والجوارات بتقديم فرصة للمشاركة في حياة الجماعة فإن العمل يمكن الأفراد من تحقيق الهوية الشخصية واحترام الذات، ويضع المحافظون اللوم من أجل مقت العمل في المجتمعات الحديثة على التصنيع والتشديد المرافق على المساواتية والثروة المادية والانتقالية الاجتماعية فعندما يركز الأفراد على الدخل والمكانة يفقد العمل قيمته الجوهرية ويصبح مجرد وسيلة للوصول إلى غاية».