قضايا وآراء

للاستذكار فقط

| أحمد ضيف الله

في آب 2019، بُدئ الترويج عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أن العراق سيشهد في الأيام المقبلة انقلاباً وثورة لم تحصل من قبل، تلا ذلك دعوات وجهت من جهات غير معروفة عبر الإنترنت من خلال مختلف وسائل التواصل الاجتماعي لتظاهرات مليونية، محددة يوم الأول من تشرين الأول 2019 موعداً لانطلاقها من ساحة التحرير بالعاصمة بغداد ومن باقي المحافظات العراقية الوسطى والجنوبية، للمطالبة بجملة من القضايا المحقة، أبرزها تحسين الواقع المعيشي والخدمات العامة، وتوفير فرص العمل والقضاء على البطالة والفساد.

التظاهرات المشروعة والناقمة على الفشل والتقصير الحكومي والسياسي على مدار أكثر من ستة عشر عاماً التي خرجت رافعة تلك الشعارات، تغيرت شعاراتها المطلبية بعد ساعات قليلة من انطلاقها، ليردد المتظاهرون شعار: «بغداد حرة حرة.. إيران بره بره»، حارقين العلم الإيراني، مهاجمين بعض القوى المشاركة في العملية السياسية بالاسم، لتتطور شعاراتها لاحقاً إلى «إسقاط الحكومة وتشكيل حكومة إنقاذ وطني»، مع تداول تسجيل فيديوي للمتحدث باسم «الحراك الثوري العراقي» أحمد الحلو، الذي أعلن عن تشكيل حكومة إنقاذ وطني مؤلفة من 20 وزيراً برئاسة الفريق عبد الوهاب الساعدي قائد قوات مكافحة الإرهاب!

التظاهرات منذ بدايتها رافقها أعمال شغب وعنف في بغداد وباقي المحافظات العراقية، تمثل بإحراق الممتلكات العامة كالدوائر الرسمية وبعض مباني مجالس المحافظات ومكاتب أعضائها، ومقرات بعض الأحزاب السياسية المحسوبة على «الحشد الشعبي» تحديداً، ومهاجمة مكاتب بعض النواب ومنازلهم، إضافة إلى نهب وسرقة المحال التجارية في بغداد، بالتوازي مع مهاجمة عناصر القوات الأمنية بالقضبان الحديدية والسكاكين والزجاجات الحارقة وبنادق الصيد، وتحطيم وحرق آلياتهم، ما تسبب بسقوط المئات من الضحايا بين المتظاهرين ورجال الأمن بين قتيل وجريح.

قوى استخباراتية أميركية وبريطانية وبتنسيق وتعاون من آل سعود ودول التطبيع الخليجية، هي من حددت ساعة تحريك التظاهرات السلمية وخرقها، ومن ثم حرفها باتجاه العنف والفوضى والتخريب، ونجحت في إدامة استمرارها لأيام، إلى أن استقالت حكومة عادل عبد المهدي مجبرة، وكل ما جرى كان لإفشال نتائج الزيارة الناجحة التي قام بها عادل عبد المهدي للصين وتوقيعه عقوداً اقتصادية لإعمار العراق خلال 10 سنوات يتجاوز حجمها الـ500 مليار دولار، وبسبب فشلهم في منع فتح معبر القائم بين سورية والعراق، ولإزاحة مشاهد الأسر والاستسلام المُذلة للمئات من ضباط وجنود آل سعود ومرتزقتهم على يد الجنود اليمنيين في عملية «نصر من الله»، من التداول الإعلامي كخبر أول، بحلول مشاهد العنف المفرط في تظاهرات الأول من تشرين الأول محلها.

تظاهرات الأول من تشرين الأول 2022 في ذكراها الثالثة، غاب عنها ممولوها والمحرضون عليها، لا خوفاً على العراقيين وحقناً لدمائهم، وإنما لتلافي أي انهيار أمني أو سياسي يمكن أن تتسبب به هذه التظاهرات، ما قد يؤدي إلى انخفاض صادرات العراق النفطية، وتفاقم أزمة الطاقة العالمية نتيجة الحرب في أوكرانيا والعقوبات على روسيا، ما انعكس انقساماً في قوى الحراك التشرينية، ما بين مؤيّد لفكرة النزول إلى الشارع ومعارض لها، وما بين مؤيد لاقتحام المنطقة الخضراء، وآخر رافض، لتنتهي بتجمعين منفصلين متباعدين في بغداد، ضم بضعة آلاف، واحد في ساحة التحرير، وثان في ساحة النسور التي طرد منها النائب علاء الركابي الأمين العام لـ«حركة امتداد»، إحدى الحركات المنبثقة عن التظاهرات التشريعية، ففشلت كلتا الساحتين في إجراء تظاهرات ضخمة بحسب ما وعدت به، لتبدو كل منهما منهكة منقسمة على نفسها، منحصراً تأثيرها لساعات، وانتهى كل شيء.

في حراك التظاهرات التشرينية، لا يمكن أن تجد مجموعة واحدة بقيت متماسكة إلى اليوم، حيث ابتلع رئيس حكومة تصريف الأعمال مصطفى الكاظمي أبرز قيادات الساحات ممن كانوا يرفعون شعار «نريد وطن» بتعيينهم كمستشارين ومحافظين، ومن وصلوا إلى المجلس النيابي، انقسموا وتشتتوا وفقاً لمصالح ارتزاقهم.

حكومتا الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة، ومع اقتراب الذكرى السنوية الثالثة لثورة تشرين الاحتجاجية في عام 2019، أكدتا أنه «لا يمكن تمهيد طريق الإصلاح من خلال العنف»، حاثتين «جميع الأطراف العراقية على احترام مؤسسات الدولة والسماح لها بالعمل بشكل سلمي وفعال وإصلاح النظام»، بحسب البيان المشترك لهما في الـ28 من أيلول الفائت.

المتظاهرون انسحبوا من ساحتي التظاهر بحلول الساعة الخامسة عصراً، على حين ظلت 5 طائرات تابعة لقوات التحالف الدولي، وواحدة للقوات العراقية تجوب أجواء ساحات التظاهر «للتأمين والرصد» بحسب المصدر الأمني!

فهل هناك من يتعظ ويفهم أن المطالبة بتحسين الواقع المعيشي والخدمي، وبتوفير فرص العمل والقضاء على البطالة والفساد، سلمياً، شيء، والدعوة لإسقاط الأنظمة بالقتل والحرق، ممولاً من أجهزة استخباراتية خارجية، شيء آخر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن