قضايا وآراء

اليوم الحزين.. في الزمن العربي الرديء

| الدكتور قحطان السيوفي

وردني بالبريد الإلكتروني العديد من الرسائل بعضها من أصدقاء أكاديميين من دول المغرب العربي، بمناسبة 28 أيلول اليوم الحزين لذكرى انفصال الوحدة بين مصر وسورية، وذكرى وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، ويتساءلون هل أصبح الحديث عن الوحدة أو الاتحاد العربي، نوعا من الترف أو التنظير الفكري؟!

في الزمن العربي الرديء، لهؤلاء الأصدقاء ولغيرهم من القراء أقول: الثامن والعشرون من أيلول يوم حزين في التاريخ العربي الحديث، أشعر فيه بالحزن مع الواقع العربي الرديء، 28 أيلول 1961 ذكرى انفصال أول وحدة عربية تحققت بين مصر وسورية في عام 1958، و28 أيلول 1970 ذكرى وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، ولدت الجمهورية العربية المتحدة بتاريخ 22 شباط 1958، كدولة واحدة تضم مصر (الإقليم الجنوبي) وسورية (القطر الشمالي) وذلك تجاوباً مع إرادة الشعب في القطرين العربيين لنمثل آمال وتطلعات الجماهير العربية على امتداد العالم العربي من المحيط إلى الخليج، حيث كانت هذه الجماهير تتابع مبادئ وتوجهات ثورة مصر بقيادة عبد الناصر: مقاومة الأحلاف، بلورة فكرة العروبة، ونَوضح الاتجاه الاجتماعي للثورة، وإعلان تأميم قناة السويس، وما تلا ذلك من عدوان عسكري ثلاثي إسرائيلي فرنسي بريطاني على مصر ومشاركة سورية في صد العدوان.

استشهد الضابط البحري السوري جول جمال في معارك الشرف ضد العدوان الثلاثي ليكون شعلة تجسد بداية تأجيج الشعور بضرورة تحقيق الوحدة بين مصر وسورية.

في 1 شباط عام 1958 تم توقيع ميثاق الوحدة بين بلدين عربيين، باسم الجمهورية العربية المتحدة، من قبل الرئيسين السوري شكري القوتلي والمصري جمال عبد الناصر، اختير عبد الناصر رئيساً والقاهرة عاصمة للجمهورية الجديدة، وأعلنت قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي حل الحزب.

الجمهورية الوليدة كانت نواة لوحدة عربية بدأت في شباط عام 1958 وانتهت في 28 أيلول 1961، وعلى الصعيد الداخلي لا يستطيع، حتى أعداء الوحدة، إنكار أو تجاهل منجزات الوحدة بدءاً من مشروع سد الفرات، وتأميم بعض وسائل الإنتاج والخدمات، والإصلاح الزراعي والتكامل الاقتصادي بين القطرين، بالإضافة للحماية من تهديدات الأحلاف الاستعمارية التي كانت تتربص بسورية.

صبيحة 28 أيلول 1961 كان يوماً حزيناً وجهت فيه قوى الانفصال صفعة مؤلمة للوحدة العربية.

هذه الصفعة/الانفصال نُفذت بدعم من القوى الرجعية المحلية المتضررة من الإجراءات الاقتصادية التي اتخذت يومها من قبل حكومة الوحدة، وبتمويل من دول إقليمية وهي الدول ذاتها التي مولت وتمول الحرب الإرهابية الحالية على سورية، وتتباهى بعضها اليوم بأنها طُبعت العلاقات مع إسرائيل.

إن بعض المراقبين يومها كانوا يرون أن من أسباب إخفاق الوحدة تسلط الأجهزة الأمنية، وتحكم القاهرة بمفاصل الدولة السورية، وتأميم المؤسسات المصرفية والصناعية، إضافة لحل الأحزاب السياسية السورية، لقد كان انفصال الوحدة السورية المصرية عام 1961 كارثة لحقت بتيار النهوض القومي العربي وأثرت سلباً في المناخ السياسي العربي، وخاصة على القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي. و28 أيلول 1970 يوم حزين آخر عاشته الجماهير العربية التي ودعت الرئيس جمال عبد الناصر في جنازة مهيبة لم تشهد القاهرة مثيلاً لها.

وتحضرني هنا العبارة المشهورة للرئيس حافظ الأسد الذي حضر مراسم تشييع الرئيس عبد الناصر، وكان يومها وزيراً للدفاع في سورية حيث قال والدمعة في عينيه: «لقد فقدت الأمة العربية قائدها الرئيس جمال عبد الناصر»، وبعد أقل من شهرين على وفاة الرئيس عبد الناصر انطلقت الحركة التصحيحية في سورية في 16 تشرين الثاني 1970 بقيادة الرئيس حافظ الأسد لتعيد لسورية والأمة العربية ولحركة النهوض العربي الألق الوطني والقومي، فتحية الإكبار والإجلال لروح القائدين الخالدين جمال عبد الناصر وحافظ الأسد.

إن كل محاولات أو مشاريع الوحدة العربية أو الاتحاد العربي، للأسف، لم يحالفها النجاح، علماً أن أهم مكونات المشروع النهضوي العربي؛ الديمقراطية في مواجهة الاستبداد، الوحدة أو الاتحاد في مواجهة التجزئة، التنمية الاقتصادية في مواجهة التخلف، والتحرر الوطني والقومي في مواجهة الاستعمار والمشروع الصهيوني.

تعيش الجماهير العربية لسنوات وحتى اليوم قي ظلمة زمن رديء مع ما سمي الربيع العربي الأسود، فتمزقت ليبيا واليمن، ناهيك عن الحرب الإرهابية الظلامية على سورية التي مولتها دول إقليمية مدعومة من أميركا.

تبقى الجماهير الشعبية العربية الضمانة الأساسية للمشروع النهضوي الحلم رغم ظلمة الزمن العربي الحالي الذي يهرول فيه العديد من أنظمة الحكم العربية للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي، وذلك وسط صمت معظم الأنظمة العربية حيال الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى وكنيسة القيامة والعدوان الإسرائيلي المتكرر على سورية، والاحتلال الأميركي والتركي لأراضي سورية.

ترى هل ما زالت الوحدة أو الاتحاد، رغم الزمن العربي الرديء، حلماً وأملاً يمكن أن يتحقق يوماً ولو بالحد الأدنى ولو بالتضامن العربي؟ أم إن حلم الوحدة أو الاتحاد بات نوعا من الترف الفكري أو السير باتجاه السراب؟

وبالرغم من رداءة المناخ السياسي العربي، والهجوم الشرس على المشروع النهضوي العربي بمشاركة صهيونية، أقول إن حلم الشباب العربي وأمله الواعد بالوحدة أو الاتحاد سبيلا لغد أفضل، يبقى قابلاً للتحقيق مستقبلاً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن