اقتصاد

الغرب إزاء المهاجرين: «لا حياء» لمن تنادي!

| د. سعـد بساطـة

مامن موضوع استولى عـلى اهتمام الصحافة العـالمية مؤخراً قدر الهجرة؛ وبالذات غـرق مركب متداعٍ أمام سواحلنا وغـرق أغلبية ركابه اليائسين (200 شخص).. حيث يقول أحد ذوي المفقودين «لم أكن أعرف أن فيلم تايتانيك سينجز منه نسخة أكثر قسوة عام ٢٠٢٢ومن إنتاج محلي»!

يسألون: مين دفعك للمر؛ الأمرّ!

أول هجرة معـاصرة شهدناها كانت للفلسطينيين عام 1948 لدى هجوم الصهاينة عـلى بلدهم؛ ثم توالت النكبات: لبنان؛ العـراق؛ اليمن؛ سوريـة؛ ولا ننسى يوغوسلافيا المقسـّمة وأفغانستان وأخيراً أوكرانيا!

تقدر المنظمات الدولية الآن عـد المهاجرين في العـالم بثلث مليار نسمة مرشحة للتزايد إلى نصف مليار (أي شخص من كل 16 بعـالمنا هو بعـيد عـن موطنه)؛ في ظروف استولت الأزمات على أيامنا. من الدم والخراب وبكاء البيوت المحترقة، وركام القانون الدولي وأشباح الرعب النووي. عالمٌ شائكٌ ومقلقٌ ومفتوح على كل الأخطار.

وحتى أوروبا الجنة الموعـودة لم تعـد كذلك! على الألماني أن يتذوَّقَ النوم على أطراف الصقيع. على البريطاني أن يتعلَّمَ التواضع. على الفرنسي أن يقتصدَ في إنارة المتاحف والمنازل. على النمساوي التدرب على مائدة أقل وخبز أصعب. نحن الآن في أيام بالغة الخطورة.

لدى وصول المهاجر لمقصده لا تنتهي الأزمة؛ الآن تصريحات اليمين بأوروبا (قريباً سنطلب من العرب تحضير حقائبهم أو توابيتهم).. رسالة من المتطرفين هناك لعائلات عربية… والسنيورة جورجيا ميلوني في مواجهة كبرى مع بابا الفاتيكان، في أهم قضية تشغل أوروبا؛ مهاجرو المراكب: البابا لا يكف عن الدعوة لاحتضانهم، والدولة تعتبرهم خطراً على المجتمع وعبئاً على الاقتصاد. مع تصاعد أزمة المهاجرين على حدود الانفجار.

وفي آخر استطلاع عام ببلد عربي، قال إن 70 بالمئة من شبابه يفكرون بالهجرة. طرابلس اللبنانية ثكلى، ومئة لبناني وسوري ماتوا في عرض البحر في قارب، كانوا يمضون في رحلة غير شرعية إلى أوروبا. ومن تونس تتوارد يوميا أخبار عن تونسيين يأكلهم البحر المتوسط في رحلة عبورهم إلى الشاطئ الأوروبي المقابل.

للهجرة دوافع كثيرة، وأهمها، ضيق النفس، والإحساس بالاختناق من الوضع الاقتصادي والمعيشي، وعندما تتم مصادرة عيش المواطن. من يهاجر يهرب وقد ضاقت به السبل، وقرر أن يطرق أبواباً أخرى، بحثاً عن أمل ومجال حيوي، وحاضنة بديلة.

وليست الدول التي تقبل الهجرة جمعـية خيرية للأيتام؛ فهي تطعـّم سكانها الهرمين؛ بعـناصر شابة؛ وتنتقي المهارات النادرة (التي يخسرها البلد الأم الذي خسر سكانه واقتصاده)!

علموا أولادكم الهجرة؛ «لما يصلوا هنالك بيتعـلموا السباحة والرماية وركوب الخيل»!

أنقل عـن متألم: «آسف يا أمي لأن السفينة غرقت بنا ولم أستطع الوصول إلى هناك، كما لن أتمكن من إرسال المبالغ التي استدنتها لكي أدفع أجر الرحلة. لا تحزني إن لم يجدوا جثتي، فماذا ستفيدك الآن إلا تكاليف نقل وشحن ودفن وعزاء. أنا آسف يا أمي لأنه كان لا بد لي أن أسافر كغيري من البشر، مع العلم أن أحلامي لم تكن كبيرة كالآخرين، كما تعلمين كل أحلامي كانت بحجم علبة دواء لقلبك، وثمن تصليح أسنانك. أنا آسف يا حبيبتي لأنني بنيت لك بيتاً من الوهم، كوخاً خشبياً جميلاً كما في الأفلام، بعيداً عن كل شيء قبيح. أنا آسف يا أخي لأنني لن أستطيع إرسال الخمسين يورو التي وعدتك بإرسالها لك شهرياً لترفه عن نفسك قبل التخرج. أنا آسف يا أختي لأنني لن أرسل لك هاتف الآيفون الحديث أسوة بصديقتك ميسورة الحال. أنا آسف يا منزلي الجميل لأنني لن أعلق معطفي ثانيةً خلف الباب».

شكراً لك أيها البحر الذي استقبلتنا من دون فيزا ولا جواز سفر، أنا آسف لأني غرقت.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن