من دفتر الوطن

العلم الكئيب!!

| عبد الفتاح العوض

ما أفضل طريقة للقضاء على الفقراء.. ببساطة التخلص من الفقراء!!

هذه ليست طرفة بل نظرية اقتصادية قديمة وما زال بعض علماء الاقتصاد وبعض السياسيين يؤمنون بها..

مؤدى هذه النظرية أنه يجب تقليص الفقر من خلال تعقيم الفقراء «جعلهم عقيمين» لأن هذا سيقلص الفقر بمنع ولادة الأطفال ذوي المواهب الطبيعية الناقصة. وأن الأطفال الذين يعيشون في أسر محرومة يفشلون في تطوير ذواتهم.

ثمة من سيجادل في أن هذا الكلام صحيح أم لا وقد حدثت نقاشات طويلة حول ذلك بين علماء الاجتماع والاقتصاد، لكن السؤال إن كان هناك من يجادل في أن مثل هذا الفكر أخلاقي أم غير أخلاقي؟!

هناك نظرية مساندة لهذا الرأي اسمها حكم الجدارة ترى أن الفقراء لا يمتلكون جدارة أن يصبحوا أغنياء!! بل يستحقون الفقر بجدارة!!

ليس هذا فحسب فهناك عالم قال: إن الجينات السيئة تزداد أكثر من الجينات الجيدة وقد دعا إلى إنشاء بنك لنطاف الحائزين جائزة نوبل إضافة إلى شخصيات مرموقة.

بالمقابل ظهرت نظريات اقتصادية مقابلة ترى أن مثل هذا الفكر يحمّل مسؤولية الفقراء للفقراء أنفسهم بينما الواقع كما قال: «جون ستيورات» الأغنياء يقمعون ويستغلون الفقراء. فهناك نظرية تحمل الحكومات المسؤولية وهناك نظرية تحمل الأغنياء وأخرى تضع اللوم على الجغرافيا والظروف الخاص، وأخرى تحمّل المسؤولية للمجتمع.

ليس من الصعب ملاحظة أن علماء الاقتصاد وأصحاب النظريات الاقتصادية ليسوا أغنياء، وأن كل الذين يعملون مستشارين اقتصاديين إنما يحصلون على أجورهم من رجال أعمال لا يستطيعون الحديث عن نظرية اقتصادية واحدة.

وإن معظم كتب الاقتصاد التي ألّفها حاصلون على نوبل لم تلق أي إقبال من الناس فيما كتب رجال أعمال كتباً بسيطة وصغيرة من نوع كيف تحصل على المال وحصلت على ملايين المتابعين والقراء.

لو استطاع أحد أن يغيّر اسم علم الاقتصاد إلى علم المال لكان ربما وجد كثيراً من الدارسين، لكن أصحاب الاقتصاد أنفسهم أطلقوا عليه لقب العلم الكئيب.

إلا أنه وفي حال الحديث عن معالجة الفقر بالتخلص من الفقراء فإن علم الاقتصاد يتحول بشكل تام إلى علم لا أخلاقي. وهذا ليس غريباً فأحد علماء الاقتصاد قال عن الأخلاق إنها مجرد تنظيم لأنانيتنا نحن البشر. ولعل هذه المسألة ظهرت بشكل أكبر في التعاطي السياسي مع الفقراء والأغنياء. ففي معظم حكومات العالم انحاز السياسيون في إصدار التشريعات التي تساعد الأغنياء والحجة بذلك أن هؤلاء يمتلكون القدرة على إنعاش الحركة الاقتصادية بينما يعيش الفقراء شبه عالة على الحكومات وهناك بعض الحكومات تلزم من يحصل منها على دعم حكومي المشاركة في الخدمة العامة مثل التطوع لأعمال اجتماعية أو تنظيف حدائق أو رعاية مسنين أو غير ذلك.

بالمحصلة مُنتِج واحد أكثر فائدة من عشرة علماء اقتصاد لا ينتجون إلا التنظير وبقاء علم الاقتصاد في خانة العلم الكئيب تأتي من أنه ليس مشوقا وتغيير اسمه إلى علم المال سيجعله من أكثر العلوم شعبية، لكن هل يمكن أن تكون مهارة جمع المال.. علماً أم فطرة.. أم قدراً؟!

أقوال:

– يصنع الفقر لصوصا، كما يصنع الحب شعراء.

– والناس من خوف الفقر في فقر ومن خوف الذل في ذل.

– ليس الثراء في كثرة الممتلكات، بل في قلة الاحتياجات.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن