ثقافة وفن

حرب تشرين المجيدة في ذاكرة الأدب … وللنصر طعم آخر.. وللمقاتل فرحة لا تعادلها فرحة في المعركة

| الوطن

لم يكن السادس من تشرين يوماً عادياً في حياة الأمة العربية، وفي حياة السوريين والمصريين، فقد اكتوى العرب بنار الخيانات والهزائم منذ عام 1948، وكانت نكسة حزيران أقسى ما تكون إذ خسروا من أرضهم المزيد، وبصبر وأناة تم التخطيط من القيادات السياسية والعسكرية حتى جاءت ساعة الصفر في السادس من تشرين، وانطلقت شرارة الدفاع عن الأرض والكرامة العسكرية والعربية، وحقق المقاتل العربي في الجبهتين ما فاق الخيال من بطولات وانتصارات، على الرغم من الدعم غير المحدود من الولايات المتحدة الأميركية لإسرائيل.. الأدباء، شعراء وناثرين، على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم سعدوا بالنصر، وانهمرت قرائحهم الأدبية لتصور مجريات المعركة نثراً ورواية من حنا مينة إلى كوليت الخوري وغادة السمان وعبد السلام العجيلي وعلي عقلة عرسان.

وغنوا بطولات تشرين شعراً عظيماً باقياً وخالداً، يرسم إصرار العسكري السوري في كل معركة يخوضها ضد العدوان.. ويحسن بنا أن نردد هذه الأشعار، إذ لم تكن تشرين خاتمة المعارك، بل كانت نقطة انطلاق لانتصارات لا تنتهي لهذا الجندي الذي وضع نصب عينيه وطنه وعزته وكرامته..

نزار قباني

نزار قباني الذي هزته هزيمة 1967، وأحالته إلى التقاعد من العمل الدبلوماسي، قبع في صومعته يتحدث عن الخيبة والمرارة، فتحدث عن النكسة وما أحدثته في وجدان كل عربي، وحين جاء تشرين هبّ ليخاطب حبيبته عمره (أحسن وقت للهوى تشرين) وصاغ حبه لوطنه، واعتزازه بنصره في قصيدة من قلائد شعره، نقتطع منها هذه الأبيات:

ها هي الشام بعد فرقة دهر
أنهر سبعـة .. وحـور عين
آه يا شام.. كيف أشرح ما بي
وأنا فيـك دائماً مسكون
يا دمشق التي تفشى شذاها
تحت جلدي كأنه الزيزفون
قادم من مدائن الريح وحـدي
فاحتضني ،كالطفل، يا قاسيون
أهي مجنونة بشوقي إليها…
هذه الشام، أم أنا المجنون؟
إن تخلت كل المقادير عني
فبعيـني حبيبتي أستعيـن
جاء تشرين يا حبيبة عمري
أحسن وقت للهوى تشرين
ولنا موعد على جبل الشيخ
كم الثلج دافئ.. وحنـون
سنوات سبع من الحزن مرت
مات فيها الصفصاف والزيتون
شام.. يا شام.. يا أميرة حبي
كيف ينسى غرامـه المجنون؟
شمس غرناطة أطلت علينا
بعد يأس وزغردت ميسلون
جاء تشرين.. إن وجهك أحلى
بكثير… ما سـره تشـرين ؟
إن أرض الجولان تشبه عينيك
فماءٌ يجري.. ولـوز.. وتيـن
مزقي يا دمشق خارطة الذل
وقولي للـدهر كن فيـكون
استردت أيامها بك بدرٌ
واستعادت شبابها حطين
كتب اللـه أن تكوني دمشق
بك يبدأ وينتهي التكويـن
هزم الروم بعد سبع عجاف
وتعافى وجداننا المـطعـون
اسحبي الذيل يا قنيطرة المجد
وكحل جفنيك يـا حرمون
علمينا فقه العروبـة يا شام
فأنت البيـان والتبيـيـن
وطني، يا قصيدة النار والورد
تغنـت بما صنعت القـرون
إركبي الشمس يا دمشق حصاناً
ولك اللـه … حـافظ و أميـن

سليمان العيسى

شاعر الحلم والعروبة والقومية، دفعته نكسة حزيران إلى الاعتزال، أسكتته عن قول الشعر، وانحاز للطفولة والأطفال في شعره، لم يعد قادراً على قول الشعر القومي الذي عرف به، وحين جاء تشرين، ومع أيامه الأولى تفجرت شاعريته بقصيدته «الخالدون» وهي من جواهر شعره والشعر في تشرين قال فيها:

ناداهم البرق فاجتازوه وانهمروا
عند الشهيد تلاقى اللـه والبشر
ناداهم الموت فاختاروه أغنية
خضراء ما مسها عود ولا وتر
تقدس المطر المجدول صاعقة
وزنبقا؛ يا شموخ الأرض يا مطر
لا تفلتي قبضة التاريخ عن غدنا
أطفالك السّمر يا صحراء قد كبروا
ريش على صهوات الرّيح فجّرها
بالمعجزات وريش راح ينتظر
تعانق النسر والتاريخ ملحمة
وكبّر العشب والينبوع والحجر
تعانق الفارس المقدور من آلم
والتل؛ فالعاشقان التلّ والشّرر
وأينعت بالدم الجولان وانضفرت
سيناء؛ يا روعة الإكليل ينضفر
سرّ الصحارى وسلها كلما يبست
من أين ينبع فيها الظلّ والشجر؟
افتح جناحيك يا تشرين؛ مدّهما
على الرياح وخلّ الأرض تستعر
تشرين لم ينته الشوط الذي بدأت
خيولك البيض.. في الميدان من نفروا
في خندق النار مازلنا؛ وتعرفنا
خنادق النار عن قرب وتذّكر
قل للحضارات:لن تمحي بزوبعة
سوداء تطغى؛ فتستعلي؛ فتنكسر

قل للغزاة: كأسلاف لكم؛ خبر أنتم على أرضنا إن تنتفض؛ خبر

لأننا – وجذور الشمس في يدنا نقاتل الحلك الباغي سننتصر

لأننا- وجذور الشمس في يدنا

نقاتل الحلك الباغي سننتصر

كوليت الخوري

شاعرة وروائية وقاصة، وحاضنة لتاريخ سورية الحديث في حياتها وكتابتها، انتماؤها الوطني النبيل سبب لها الألم فيما وقعت فيه الأمة، وفي تشرين كانت صوتاً قوياً في السرد والمقالة، لعزة أمة ونهضة وطن نحو المستقبل، وقد كتبت الكثير عن حرب تشرين، ومما كتبته في ذكرى تشرين، وضمته في كتابها (سنوات الحب والحرب) هذا المقال الذي يحمل الحب والتفاؤل واستشراف المستقبل:

ملحمة تشرين.. قلب العروبة النابض يخفق بشدة.

من هنا، من مكتبي أسمع خفقانه يصل إليّ من قمة جبل الشيخ، فيهتز له بيتي. ويطير إليه القلب.

تشرين، ذاك الشهر الذي كان أروع أنشودة عاشها الوطن.. جعلته سورية ملحمة نضال وبطولة.

ومن حولنا الدنيا تكتفي بالتفرج، وللتفرج أشكال وأساليب.. وانفعالات..!

التصريحات السياسية تملأ الصحف وتصيح بها الإذاعات.

الخطط تتمدد كالأخطبوط في بعض الأخيلة التي رسمت بالنوايا المستقبل.

والسلم يرتاح في بعض العيون المطفاة التي عجزت عن أن تروي الحاضر بضيائها.

ويختلط السلم بالاستسلام، ويمتزج الوهم بالواقع.

ويضيع المرء في المسرحيات بحثاً عن الحقيقة.

الحقيقة؟

شبان سمر بعمر الربيع والورود، يقاتلون في الجولان، هذه حقيقة!
شبان يضجون بالحياة وينضحون بالإيمان يموتون في المعركة. هذه حقيقة.
شبان هم إخوتنا وأبناؤنا يقدمون حياتهم ثمناً للنصر وللعلى، هذه حقيقة.
الحقيقة؟ هي ملحمة تشرين المستمرة في سورية.
وكل ما عدا ذلك وهم، وكلمات وانفعالات متفرجين!
هل يسمع الوطن بأكمله، مثلنا، دقات قلب العروبة النابض، تتعالى اليوم من الجولان؟
دمشق- 18 نيسان 1974

علي عقلة عرسان

الكاتب والمخرج المسرحي، وأحد المؤسسين للمسرح السوري المعاصر، تنوعت إبداعاته بين المسرح والشعر، والمسرح الشعري والنثري، والمقالات التي تركت أثراً، والدراسات المعمقة في الواقع العربي، وفي تشرين مال عرسان إلى السرد، فكتب روايته الجميلة (صخرة الجولان) والتي تعزز انتماء الإنسان لأرضه ووطنه، فقدّم نموذجاً من التضحية، مع فضح للفساد والفاسدين، الذين لا يرعوون عن استغلال كل شيء، ومن المقاطع المؤثرة ما كتبه عن وصول خبر استشهاد محمد المسعود أو فقده:

حضرة مختار قرية (كحيل) المحترم

بعد التحية والسلام.

أكتب إليكم من الجبهة، من خط النار مع العدو. أرجو أن تخبروا عائلة محمد المسعود من قريتكم، أنه جرح أمامي عندما اشتبكنا مع العدو. ولا أعلم أهو حي أم ميت الآن، لقد كان بطلاً شجاعاً، ونفتخر به، ويفخر به الوطن، ولكم أن تفتخروا به أنتم جميعاً. تحياتي لأولاده وخاصة ابنه زيد فقد كان يذكره كثيراً. كان قبل يومين من المعركة يريد أن يرسل إلى زيد خمساً وعشرين ليرة ولم يستطع أن يرسلها إليه. أرجو أن تسلم المبلغ المرافق لهذه الرسالة إلى زوجته أو إلى ابنه زيد. والسلام عليكم ورحمة اللـه وبركاته.

ملاحظة: لقد سجل محمد المسعود في عداد المفقودين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن