ثقافة وفن

غادة السمان الكاتبة الممزوجة بالتراث والحداثة … عملت على مجاراة ظواهر النجاح التي تحيط بها فأبدعت .. من أستاذة جامعية إلى التحليق في عالم السرد والرواية

| أنس تللو

امرأة عربية مشرقية عملت بالكتابة، ولكن ليست أي كتابة… إنها كتابة ممزوجة بين أصول التراث العربي الأدبي العريق وبين خلاصة غنية لأهم تيارات الثقافة الإنسانية في الغرب، وخاصة الآداب الإنكليزية والفرنسية.

امرأة شابة تمردت على الحياة البرجوازية في منتصف القرن العشرين، وسافرت لتعمل وتعيش في عالم قاس سريع التغيير.. وقد ترك ذلك كله آثاراً واضحة على أدبها القصصي والروائي.

في أواسط القرن العشرين؛ في الوقت الذي ولدت فيه الأديبة غادة السمان، وشبت عن الطوق، كان هناك حركات نسائية ضيقة لا همّ لها سوى القضايا النسائية ؛ قضية التحرر والمساواة وما إلى ذلك… إضافة إلى قلة قليلة جداً من النساء اللاتي يترفعن إلى قضايا أعمق ما يسمى بتحرر المرأة، وأرقى من الدعوة إلى المساواة، يترفعن إلى آفاق اجتماعية ونفسية واجتماعية أخرى تُعنى بصياغة أدب سامٍ تهمه قضايا المجتمع العليا، ولا يكترث بالعلة والعليل.

من الأديبات الكبار كانت الأديبة غادة السمان التي ظهر منذ إصدارها مجموعتها القصصية الأولى (عيناك قدري)، أنها سوف تقدم أدباً مختلفاً ومتميزاً عن آداب عصرها؛ وقد أصدرت هذه المجموعة ولم يتجاوز عمرها عشرين عاماً.

ولدت غادة السمان في دمشق أواسط القرن العشرين، وعاشت في بيئة بورجوازية أدبية، وقد امتزج في شخصيتها مشاعر الحزن بسبب وفاة والدتها وهي صغيرة، ومشاعر الفخر والزهو بسبب فخرها بوالدها الدكتور أحمد السمان الذي شغل منصبَي رئيس الجامعة السورية ووزير التعليم في سورية لفترة من الوقت.

وكان مما منح شخصيتها أبعاداً متعددة ومتنوعة. أمران اثنان ؛ أولهما ولعُ أبيها بالعلم والأدب العالمي وبالتراث العربي، وصلتها وقرابتها بالشاعر الكبير نزار قباني.

والأمر الثاني هو طوافها في أوروبا، وتنقلها بين معظم العواصم الأوروبية وعملها مراسلة صحفية… فضلاً عن رغبتها في اكتشاف العالم والتعرف إلى مناهل الأدب والثقافة هناك.

فاجتمع لديها الكسب الأدبي الكبير، والرغبة في مجاراة ما حولها وتحقيق النجاحات، فحفلت حياتها الأدبية بالروايات البديعة، ما جعل النقاد الكبار آنذاك مثل محمود أمين العالم يعترفون بها وبتميزها، كل هذا أدى إلى صقل شخصيتها الأدبية وبلورتها لتكون مزيجاً سائغاً بين التراث العربي والأدب العالمي.

درست الأديبة غادة السمان في المدرسة الفرنسية في دمشق، ثم في المدارس الحكومية، وتابعت دراستها الجامعية في كلية الآداب، وتخرجت فيها عام 1963 حاملة شهادة الإجازة الجامعية في الأدب الإنجليزي، ثم انتقلت إلى بيروت فحصلت على شهادة الماجستير في مسرح اللامعقول من الجامعة الأميركية في بيروت، ثم إلى مصر لتحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة.

ثم عادت الدكتورة غادة لتبدأ حياتها العملية كأستاذة محاضرة في جامعة دمشق، ثم كانت معلمة للغة الإنجليزية في المدرسة الثانوية في دمشق، كما عملت كاتبة في الصحافة في عدة مجلات مثل (الأسبوع العربي) وغيرها، وقد برز اسمها أكثر، حتى غدت نجمة مشعة من نجمات الصحافة، لكنها تمردت على المجتمع البورجوازي السوري، فتركت الأسرة والجامعة، ورحلت إلى أوروبا الغربية في جولات من التجارب الإنسانية الحرة والعميقة.

في أوروبا اتسعت ثقافتها أكثر فأكثر، حين اطلعت على منابع الثقافة الغربية… فكان من نتيجة ذلك ظهور مجموعتها القصصية الثانية (لا بحر في بيروت) عام 1965.

وفي أواخر الستينيات وبعد زواجها من السيد بشير الداعوق صاحب دار الطليعة، وإنجابها لابنها الوحيد، أصدرت مجموعتها الثالثة (ليل الغرباء)، وكانت مسيرتها الأدبية قد نضجت نضجاً كبيراً.

وقد سمَّت ابنها (حازم) تيمناً باسم أحد أبطالها في هذه المجموعة.

ثم أسست بمساعدة زوجها دار نشر في عام 1978 باسم (منشورات غادة السمان).

في عام 1973 أصدرت مجموعتها الرابعة (رحيل المرافئ القديمة)… وهنا، في هذه المجموعة ظهرت الشخصية الأدبية البارعة لغادة السمان، في هذه المجموعة التي يعتبرها البعض المجموعة الأهم بين كل مجموعاتها القصصية، وذلك لصياغتها الأدبية الفائقة، ولمضمونها الممتع البديع والذي حللت فيه بدقة واقع المثقف العربي آنذاك، وبينت بوضوح ذلك التناقض الكبير الذي يعيشه بين فكره وسلوكه.

ثم تتالت رواياتها، فأصدرت روايتها (بيروت)، ثم (كوابيس بيروت) و(ليلة المليار)، وغدت واحدة من أهم الروائيين العرب.

من كتب غادة السمان:

أعلنت عليك الحب – زمن الحب الآخر- الجسد حقيبة سفر – السباحة في بحيرة الشيطان- ختم الذاكرة بالشمع الأحمر- الرغيف ينبض كالقلب.

من أقوال غادة السمان:

لا تقل لي ماضينا معاً، ومستقبلنا، ها أنا أنساك وحبيبي اسمه الآن، البارحة والغد كلمتان أطلقت عليهما الرصاص، ولن أهاجر إلى الماضي لأعيش بك.

وقد تمت ترجمة أدب غادة السمان إلى لغات أجنبية، كالإنكليزية والألمانية والإسبانية والروسية والفارسية والبولندية والرومانية.

قيل عن أدب غادة السمان إن أعمالها ليست محصورة في بيت أو بيئة محددة، بل إنها تخاطب الإنسان في كل مكان، إنها في الأدب فنانة وفي الفن امرأة، ولكنها ترفض التحدث عن المرأة الكاتبة بمعزل عن الكتاب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن