قضايا وآراء

واشنطن وأنقرة لملمة أوراق محروقة

| منذر عيد

ثمة جملة من الأحداث في الجغرافيا السورية، شهدتها مؤخراً جميع الساحات التي تهيمن عليها القوى المعادية لدمشق، تشي في رمتها على تطورات مستقبلية جديدة، أو في أقله تنم عن انفلات عقال الأمور نوعاً ما من يد من يدير الأمور فيها.

فرغم سيطرة قوات الاحتلال الأميركي على حالة التمرد التي أعلنها أنصار المدعو مهند الطلاع، متزعم ما يسمى «مغاوير الثورة» احتجاجاً على تعيين المدعو فريد القاسم متزعماً جديداً، إلا أن تداعيات الأمور لن تنتهي عند ما تم الاتفاق عليه عقب تطويق مخيم الركبان بتسلم القاسم «القيادة» من دون أي مشكلات وبشكل سلمي، فالرجل سوف يبقى بنظر معارضيه من خارج منتسبي الميليشيا، ومن المؤكد أن حالة من الريبة والشك وعدم الثقة سوف تبقى خفية في أجواء ميليشيا «مغاوير الثورة»، حال جمر تحت رماد، الأمر الذي سيمنع عين «القاسم» والاحتلال الأميركي من النوم بطمأنينة كما في الأيام الخوالي.

حالة التمرد تلك، وإن قام البعض بتبسيطها، ووصفها بالحالة العابرة، إلا أنها قد تفتح الباب أيضاً لإحياء مشروع الاحتلال الأميركي وتعطيه المبرر والذريعة، لتطبيق ما رفض الطلاع تنفيذه سابقاً، وهو إلحاق التنظيمات والميليشيات التابعة له والمنتشرة في منطقة التنف بميليشيات «قوات سورية الديمقراطية- قسد» من الناحية الإدارية، الأمر الذي يدعم بشكل أو آخر إبقاء الوضع الراهن في مناطق شرق سورية على ما هو عليه، بما يخدم مصالحها، ويضمن استمرار وجوده كقوة محتلة مسيطرة في مناطق غنية بالنفط والثروات الزراعية، ويمكنها من عرقلة أي حل روسي يمكّن الدولة السورية من بسط سيطرتها على تلك المنطقة، وخاصة إذا ما تم حصول أي تقارب بين دمشق وأنقرة.

ما جرى في منطقة التنف، ينسجم كلياً مع محاولات واشنطن، رسم خريطة سياسية وميدانية «معارضة» جديدة في سورية، خاصة مع تلقفها مسألة ابتعاد أنقرة عما يسمى «الائتلاف» المعارض، والعمل بشكل دؤوب على استقطابه إلى جانبها، لتشكيل مكون ما يشمل ميليشيات «قسد» وما يتبع لـ«الائتلاف» لاستخدامه لاحقاً عصا تعرقل من خلاله في المحافل الدولية، أي محاولة روسية- إيرانية لإيجاد حل للأزمة في سورية، وخلق منبر جديد ينافس منبر «أستانا» أو يكون بديلاً عنه، حيث أكدت تقارير إعلامية أن أميركا أطلقت حملة سياسية وإعلامية لإعادة تسويق «الائتلاف» على هامش اجتماعات الجمعية العامّة للأمم المتحدة في نيويورك، بالتزامن مع العمل على خلق واقع اقتصادي في مناطق سيطرة ما تسمى «الحكومة المؤقتة»، يحاكي ذاك المطبق في مناطق سيطرة ميليشيات «قسد»، من استثمار واستثناءات من عقوبات «قانون قيصر».

اهتمام واشنطن بـ«الائتلاف» أثار هواجس أنقرة من خسارة ورقة تعتبر بشكل أو آخر رابحة على طاولة المفاوضات بخصوص مستقبل الحل في سورية، لتنقل صحيفة «الأخبار» اللبنانية، عن مصادرها «أن تركيا أعادت جزءاً من تمويلها للائتلاف، وأن المبالغ المعلَنة التي تَدفعها أنقرة لـ«الائتلاف»، والتي تبلغ شهرياً 250 ألف دولار أميركي، أُعيد صرفها له بالفعل، فضلاً عن تكاليف السفر والإقامات السابقة لممثّليه، والتي كانت واشنطن قد تكفّلت بها في نيويورك»، تلك التطورات تزامنت مع تأكيد معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أن تطبيع علاقات أنقرة مع دمشق أكثر تعقيداً من تلك التي جرت بين أنقرة والسعودية والإمارات العربية، وأن رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان دخل في لعبة التطبيع الدولي المحفوفة بالمخاطر، بعد أن أصبحت الانتخابات التركية على المحك.

بحث أميركا عن مكسب في سلة مهملات تركيا، ومحاولة الأخيرة لملمة أوراق محروقة، يعكس حالة الإفلاس في رصيد كلا الطرفين من أوراق جديدة لاستخدامها في الضغط على الحكومة السورية، وإعادة الأمور في سورية إلى المربع الأول، لإفشال جميع مساعي روسيا وإيران في إنهاء الأزمة.

مع جميع تحركات الأميركي والتركي، تبقى الأولوية بالنسبة للحكومة السورية والحليف الروسي، مسألة القضاء على التنظيمات الإرهابية، لأن تلك التنظيمات هي في المحصلة أذرع واشنطن وأنقرة، والجسر لهما للتدخل في شؤون سورية، ومن هنا فإن عين الجيشين العربي السوري والروسي لم تغفلا عن تحركات الإرهابيين في إدلب، لتكون أحدث الأنباء عن ذلك ما أكده بالأمس نائب رئيس المركز الروسي للمصالحة في سورية اللواء أوليغ يغوروف، أن ضربات وجهت إلى مواقع لتنظيم «جبهة النصرة» الإرهابية، محصنة تحت الأرض بالقرب من قريتي الرويحة ومصيبين في جبل الزاوية جنوبي إدلب، مؤكداً أنه تمت تصفية 13 مسلحاً، بينهم القياديان أبو يوسف الشامي وخالد اليوسف «أبو عمر»، وأصيب 22 عنصراً في الجماعة الإرهابية بجروح خطرة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن