من دفتر الوطن

شوية كرامة بس!

| فراس عزيز ديب

اليوم هو صباح السادس من تشرين الأول، هل مازالَ هناك للذكرى مكان؟

منذُ أن أطلق الراحل سعد اللـه ونوس رائعته «حفلة سمر من أجل 5 حزيران»، كان هناكَ اتهام له بأن كتابتها جاءت بتوجيهاتٍ عُليا عساها ترفع الروح المعنوية للشعب الذي ذاق مرارةَ الهزيمة في العام 1967، لكن في الحقيقة لا أعرف لماذا نسمي هذا اتهاماً؟ أين المشكلة إن قامَ الأديب أو الكاتب أو حتى التشكيلي بتكريسِ إبداعهم لخدمةِ قضايا بلدهم، أساساً وهنا أُخاطب كل من يصنِّف نفسهُ تحت مسمى «مثقف»:

ما نفع إبداعك إن لم تكن نقطة انطلاقته خدمة لأرضك وبلدك وشعبك وقضاياهم؟ أي انفصال عن ذلك لا يعني بالمناسبة إنك «مثقف زيادة»، بل أقل ما يعنيه إنك شخص بلا هوية، سيموت يوماً بلا انتماء.

إنها ذكرى حرب تشرين التحريرية، كنتُ أتَمنى فعلياً لو أنقلَ في سطورِ هذه الزاوية الكلمات البسيطة التي كتبتها عندما كنتُ في الصف الخامس الابتدائي، يومها طُلب مني أن أُلقي كلمة الطلاب بهذهِ المناسبة بشرط أن تكون الكلمة من كتابتي من دون مساعدةِ أحد، للوهلةِ الأولى شعرتُ بالخوف لكن تشجيع أستاذ اللغة العربية رحمة لله عليه الذي كان يثق بقدراتي على التعبير أنقذني من الرهبة.

من منَّا لا يحنُّ إلى ليالي السمر الجميلة حتى الأمس القريب، حيث في أي اجتماعٍ لـ«كبارِ العائلة» كان الحديث عن بطولات الحرب ضيفاً دائماً، قصص وروايات تجعل من يسمعها يعيش الشعور وكأنهُ عاشها، لا أدري لربما كما يقول أهلنا في بعض المناطق السورية المؤمنون بفكرة التقمص: لعلكم كنتم هناك!

من منا لا يتذكر الاستيقاظ على وقع انتظار مشاهدة «الولادة الجديدة» التي لا زلتُ بين وقتٍ وآخَر أدخل إلى اليوتيوب لأتابعها وأقول:

طوبى للرسائلِ السامية التي كان يحملها الفن السوري قبلَ أن يلوثه رأس المال الخارجي، هل عن عبثٍ سميَّت «ضيعة تشرين»؟ هل كان الحوار الذي يتحدث عن علاقة «غوار بالمختار الجديد» الأخوية قبل استشهاده هو مجردَ حشو؟! جاهل من يعتقد ذلك! هل نتذكر العم «أبو عمر» الذي اختار الإعدام على أن يُقال عنه خائن! المجرم قد يرتكب جريمة بدوافعٍ كثيرة بعضها مبرراً، لكن لا شيء يبرِّر الخيانة «أيها الخونة» لأنها أولاً وأخيراً قرار إرادي صرف!

إنه يوم السادس من تشرين، إياكم أن تخجلوا من الاحتفال بهِ، إياكم أن تنظروا لكل تلك القيم التي تربينا عليها لكونها نقطةَ ضعفٍ أو تحجرٍ لا يفيد في المستقبل، هم الضعفاء ونحن الأقوياء لأن الضعيف فقط من يلبس ثوباً مستعاراً، حتى لو شئتم أطلقوا حناجركم للصيحة الطلائعية «تشرين أقبَل زاحَ الطغيان» هذا جزء من تاريخنا، طفولتنا ومستقبلنا، ليست مشكلتنا بأن هناك من انقلبَ عليهِ أو تاجرَ بهِ فباعه بفسادٍ أو فشل، القيم هي الثابت والقائمون عليها متحولون، تشرين سيبقى تشرين التحرير، أما من سبق ذكرهم ومنهم من وصلَ حتى للتشكيكِ بانتصار تشرين فسأقول لهم بصوت الرائع «دريد اللحام» بعدَ تحية «كاسك يا وطن»: «الله وكيلك يايابي مو ناقصهم إلا شوية كرامة بس!».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن