ثقافة وفن

نصير شورى مع المعلم حماد من الواقعية إلى التجريد … بحث وتطوير للبحث عن مشروعات فنية رفيعة … مجموعة من الفنانين ضمت العديدين وفاتح مدرس لم يكن ضمنها

| سعد القاسم

لا يتوافر لدي ما يشير إلى المرة الأولى التي التقى بها المعلمان نصير شورى ومحمود حماد، إلا أن ما لا خلاف عليه هو عمق الصداقة الفنية والشخصية التي جمعت بينهما حتى رحيل الأول عام 1988. كانا معاً أغلب الأوقات في التجمعات الفنية وفي المعارض وفي حضور المعارض وفي مشاريع التحكيم، وأيضاً في تحولات تجربتيهما من الواقعية إلى التجريد كلٌ بطريقته، وهو التحول الذي أعلنا عنه بتأسيسهما مع إلياس زيات جماعة تجريدية أسموها جماعة (د) نسبة  إلى دمشق، وأقاموا معرضاً مشتركاً في صالة (الصِوان) شارك فيه  فاتح المدرس، ومعرضاً ثانياً في صالة الفن الحديث. لا توفر المطبوعات وثيقة يمكن اعتمادها في الحديث عن مجموعة (د) ففي منتصف الثمانينيات من القرن الماضي حدثني نصير شورى في مكتب الناقد طارق الشريف (مدير الفنون الجميلة) عن الجماعة، وأنها كانت تضمه مع محمود حماد والياس زيات، ومثل هذه الرواية أكدها لي قبل رحيله بسنتين الياس زيات في لقاء تلفزيوني، وأضاف إن الجماعة أقامت معرضها الأول في صالة الصِوان عام 1965، والثاني في صالة الفن الحديث مواجه ثانوية ابن خلدون. غير أن دليلاً لمعرض صالة الصِوان من أرشيف السيدة لبنى حماد يشير إلى مشاركة فاتح المدرس في هذا المعرض، لكنه لا يشير إلى جماعة (د). وفي حين أن فاتح المدرس لم يتحدث مرة عن جماعة (د) فإن الياس زيات الذي يحمل تقديراً واسعاً لفاتح المدرس، أكد أن المدرس لم يكن ضمن الجماعة. وحسم هذا الأمر مرهون بما يمكن أن يظهر مستقبلاً من وثائق.

الجو الفني والصداقة

في مقالة نشرها عام 2017 في صحيفة العربي الجديد تحت عنوان (شورى وحمّاد: سورية في لوحة صديقين) توقف الفنان بطرس المعري عند هذه العلاقة فكتب: «بحكم السن، سبق شورى (1920 – 1988) زميله حمّاد (1923 -1992 ) في الانخراط في الجو الفني الناشئ، فكان من مؤسّسي وأعضاء أوائل الجمعيات الفنية في البلاد وربما هذا ما جعل حماد يلتمس رأيه في أعماله. فقد زار حماد، وكان في الرابعة عشرة من العمر، الفنان الشاب شورى في مرسمه برفقة صديق مشترك، ليطلعه على رسوماته ولوحاته الزيتية الصغيرة، وليبدي (الأستاذ)، وهو يكبره بثلاث سنوات فقط، إعجابه بموهبة هذا المراهق!.. إلا أن أول تجمّع فنّي قد جمع شورى وحمّاد معاً كان مرسم فيرونيز الذي تأسس سنة 1941.. من هذا المرسم، أسّس الصديقان مع بعض الفنانين الجمعية العربية للفنون الجميلة سنة 1943، هي السنة ذاتها التي سافر فيها شورى إلى القاهرة».

الرؤية الشاملة والخصوصية

هذه الصداقة أتاحت لحماد رؤية تجربة شورى من داخلها، وتقديمها في أحد أهم النصوص التي كتبت عن شورى (الكتاب الذي أصدرته له وزارة الثقافة عام 1992) برؤية شاملة وتفاصيل لم يكن متاحاً لغيره معرفتها. ومنها ما يتعلق بنشأته وصولاً إلى إقامة مرسمه الخاص, حيث يقول حماد:

«ظل المرسم – في ساحة المدفع- مركزاً يؤمه الفنانون الدمشقيون والأجانب، الذين كانوا يلاقون الترحيب وكرم صاحبه، فيقيمون في المرسم ويعملون منهم صليبا الدويهي من لبنان (وهو ما أشار اليه الفنان والباحث أسعد عرابي في تعقيبه على الحلقة الماضية) الذي اكتشف مع شورى جمال وطرافة قرية معلولا. وكانا أول من استقى وحيه من روعة ذلك التناسق البديع بين ما أوجدته الطبيعة وما أضافه عليه الإنسان. وهكذا غدت معلولا قبلة الفنانين، يتوافدون إليها ليغرفوا من ذلك السحر الملون المغلف بضياء الشمس. ولقد تعشقها كذلك ميركو بوشوشا اليوغسلافي، الذي تعرف عليها بواسطة شورى، وأقام معرضاَ خاصاً لمناظرها في بلغراد. قد تكون مجموعة الأعمال التي أنجزها شورى عن مشاهد معلولا خلال فترة امتدت أكثر من عشرة أعوام من أجمل ما جادت به ريشته. ثم راح يهيئ لمعرضه الشخصي الثاني الذي أقامه في النادي العربي، وشارك في معرض الندوة الثقافية النسائية. وفي المعرض الذي أقيم في الجامعة السورية  بمناسبة مؤتمر المغتربين. وفي العام ذاته كان أحد الأعضاء المؤسسين في الجمعية السورية للفنون التي اتخذت مقراً لها في شارع أبي رمانة، وكان أول رئيس لها الأمير كاظم الجزائري. كان لهذه الجمعية دور بارز في تنشيط الحركة التشكيلية والثقافية، من خلال المعارض المتعددة التي أقيمت لفنانين سوريين وأجانب، والمحاضرات الدورية والمناسبات الاجتماعية. وكان من أعضائها نخبة من المثقفين والفنانين منهم المهندس صبحي كحالة والدكتور منير شورى والأستاذ محمود جلال والأستاذ رشاد قصيباتي والدكتور سامي الدروبي، والشاعر عبد الكريم الكرمي، والدكتور نظيم الموصلي، والدكتور نبيه العاقل، والدكتور ابراهيم الكيلاني وغيرهم».

في عام 1950 أقام شورى وحماد معرضاً في نادي السعد بحلب وكان من المعارض النادرة التي أقيمت في الشهباء آنذاك، ولاقى ترحيباً لدى المتذوقين والمسؤولين والصحافة، كما كان مناسبة للتلاقي مع الفنانين العاملين في حلب: غالب سالم، وفاتح المدرس، والفرد بخاش، وزاره كابلان، وسامي برهان. وفي العام التالي قام شورى برحلته الثانية إلى ايطاليا، حيث تأمل بإمعان روائع الفن الكلاسيكي، كما شاهد أعمال الفنانين المعاصرين، ومع شعوره بالاستقرار العائلي امتلكت لوحاته في تلك الآونة أحاسيس خاصة تجلت في لوحة (المدرسة الأولى) التي تمثل أماً وبجانبها طفلة، وطفل تساعده في الدراسة.

السفر والسياحة والفن

بقي شورى طوال حياته تواقاً إلى السفر والاستزادة من المعرفة، فسافر إلى وارسو عام 1955 بمناسبة مهرجان الشباب العالمي حيث كلف بالإشراف على معرض وثائقي وفني عن سورية ولبنان، أقيم في قصر الثقافة في العاصمة البولونية. ومنح في ذلك المعرض شهادة تفوق عن لوحته (ساحة القرية)، ثم سافر إلى المانيا عام 1957 للمشاركة باحتفال كبير دعت إليه حكومة ألمانيا الديمقراطية فنانين ومفكرين من مختلف البلدان بمناسبة إعادة آثار متحف درسدن التي نقلت في أثناء الحرب العالمية الثانية إلى الاتحاد السوفييتي. وفي درسدن التقى بعدد من الفنانين الألمان منهم المصور هرمان كون، والمصور نولده والحفار شينكو. وفي عام 1963 قام بجولة فنية واسعة مع رشاد قصيباتي والياس زيات في تركيا وبلغاريا ويوغسلافيا والنمسا. مكنت هذه الأسفار نصير شورى من الاطلاع على الأساليب الفنية الجديدة، وحفزته على البحث وتطوير عمله بدراسات متعددة صغيرة الحجم قادته إلى الفن التجريدي، وإن بقي محافظاً على حساسيته الأصيلة واهتمامه باللون والنور.(يتبع)

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن