ربما يعد الكيان الإسرائيلي من أهم الأطراف التي ينتابها القلق والخوف من النتائج التي يمكن أن تحملها الحرب الأميركية على روسيا في أوكرانيا لأن العالم بعد هذه الحرب لن يعود إلى ما كان عليه في عهد الهيمنة الأميركية الأحادية بموجب رأي معظم الخبراء في الشؤون الإستراتيجية الدولية.
مثل هذه النتيجة ستفرض على تل أبيب أن تدفع ثمناً باهظاً في المنطقة، وبسبب هذا الاحتمال نشر «مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي» في الثاني من تشرين أول الجاري تحليلاً تحت عنوان «واشنطن وحلفاؤها ومفترق الطرق في المواجهة مع روسيا»، حدد فيه بعض المسلمات وأهمها أن «روسيا أصبحت تخوض مجابهة مهمة وواجباً يتعلق بمصيرها ووجودها وخاصة بعد الإعلان عن تعهدها بحماية النتائج التي حققتها على الأراضي الأوكرانية حتى لو اضطرت إلى اللجوء لاستخدام السلاح النووي»، وأضاف المركز إن «هذا التهديد زاد من مضاعفات خطر التصعيد، ووضع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدين وحلفاءها أمام مفترق طرق اكتفوا بوصفه فقط بالصعب والحاسم وهو رد ضبابي أمام التهديد النووي الروسي»، ورأى المركز أنه كان من الأفضل الرد بقطع العلاقات السياسية والاقتصادية مع روسيا، إضافة إلى التلويح برد عسكري بالأسلحة التقليدية».
وحول إسرائيل يرى المركز أن الرد الإسرائيلي اكتفى بالإعلان عن رفض الإجراء الروسي بضم الأقاليم الأوكرانية وانتقد المركز امتناع إسرائيل عن تقديم السلاح لأوكرانيا، وطالبها «بالاصطفاف مع الموقف الأميركي والأطلسي في صراعهما من أجل بناء نظام عالمي تضمن فيه إسرائيل مكانتها ودورها».
وأوضح المركز أن «هذا الوضع الأميركي يدل في هذه الأوقات على أن إدارة بايدين لا تزال تمتنع عن عرض رؤيتها بالتفصيل للهدف النهائي من خوضها لهذه الحرب ضد روسيا، ففي أيار الماضي حدد بايدين في مقال نشره لصفحة الرأي في صحيفة «نيويورك تايمز» أن الهدف هو «إعادة السيطرة الأوكرانية على جميع الأراضي التي احتلتها روسيا وإجبارها على دفع ثمن باهظ، إضافة إلى استخدام هذه الحرب لردع الصين»، لكن المركز يرى أنه «من السابق لأوانه ما إذا كان بايدين سينجح في تحقيق أهدافه وأن سياسته الحذرة والمترددة أحياناً لن توقف بوتين عن استمرار الحرب وتصعيدها».
يلاحظ المركز أن إدارة بايدين لا تزال تطالب أوكرانيا بالامتناع عن شن هجوم على الأراضي الروسية خوفاً من ردود فعل روسية تجر واشنطن لحرب شاملة أميركية ضد روسيا، ويستنتج المركز أن الغرب هو الذي يدفع ثمناً لأنه لا يريد الانجرار إلى الحرب الشاملة، واستمرار سياسته على هذا النحو سيخلق المزيد من الصعوبات للغرب أكثر مما تفرضه من صعوبات على روسيا.
ويطالب المركز واشنطن بإعطاء ردود على هذه المعضلة وعلى معضلة المحافظة على التنسيق والتعاون بينها وبين الحلفاء، لأن أوروبا بدأت تشعر أنها تدفع ثمناً من اقتصادها ومن حاجتها للغاز والنفط بسبب الحرب على روسيا، وهذا يعني أن وضعها الداخلي من ناحية علاقاتها مع بعضها ما زال يثير اختلافات في مدى التدخل بالحرب الأوكرانية والثمن الذي يجب دفعه من جهة وعدم وجود اتفاق أوروبي مطابق للموقف الأميركي من الحرب على روسيا من الجهة الأخرى، وكذلك حول الأهداف المطلوب تحقيقها.
ينوه المركز بتحليله لحقيقة أن الوضع الداخلي الأميركي لا يسر كثيراً وتأثر سلباً من ناحية اقتصادية بسبب الحملة الحربية الأميركية ضد روسيا وازدادت مخاوف تزايد نسبة الركود الاقتصادي ومضاعفاته الاجتماعية.
إضافة إلى هذه المعضلات التي يعرضها المركز الإسرائيلي هناك موضوع الانتخابات النصفية للكونغرس بعد أسابيع، وما يمكن أن تحمله على مستقبل نفوذ الحزب الديمقراطي وعرقلة سياساته التي اتبعها منذ الإعلان الأميركي عن شن كل أشكال المواجهة ضد روسيا باستثناء الحرب الشاملة المباشرة.
بالمقارنة مع روسيا وقيادتها، لا تزال موسكو مستمرة بسياستها المعلنة منذ شباط الماضي لتحقيق الأهداف المطلوبة من دون تغيير ومن دون أن تدفع ثمناً باهظاً بالمقارنة مع الأثمان التي فرضتها على الدول التي تواجهها، لذلك لا تزال قواعد ومعايير المجابهة الروسية ضد واشنطن والغرب فاعلة وقادرة على تأمين صمود روسيا وحلفائها داخل أوكرانيا وخارجها، وقادرة على استغلال التناقضات والاختلافات التي ولدتها الحرب الأميركية ضد روسيا في أوكرانيا بين حلفاء واشنطن أمام تماسك التحالف الصيني العالمي ضد الهيمنة والحروب الأميركية.
ويبدو أنه كلما طال زمن الحرب الأميركية ضد روسيا، كلما ازدادت الخلافات بين واشنطن وحلفائها بطريقة قد تقود إلى تخفيض أشكال التصعيد الغربي وفاعليته.