عندما غادر بهجت إسكندر قريته البرازين المطلة على مصفاة بانياس على شاطئ البحر المتوسط أواخر ستينيات القرن الماضي كان يحلم بدراسة هندسة النفط، لكن الظروف أرغمته على دراسة هندسة الحديد والصلب.
في أواخر ستينيات القرن الماضي بدأ إسكندر يصور الحياة الريفية في المجر معاهداً نفسه بأن يلتزم بفن التصوير كأداة للتعبير وليس لكسب المال. خلال دراسته الجامعية شارك بعشر صور عن تفاصيل من حياته في مسابقة للتصوير الضوئي فكانت المفاجأة أن حصد ثماني جوائز.
في مطلع الثمانينات سافر إلى الجزائر كمهندس مشرف على ثلاثمئة عامل مجري يقومون بإنشاء صوامع الحبوب فاستغل وقت فراغه للتصوير وعندما عاد إلى المجر أقام معرضه الشخصي الأول. باكراً اكتشف بهجت إسكندر خصوصية الصورة ومقدرتها على تجاوز حاجز اللغة، فهجر الهندسة وكرس نفسه لفن التصوير. وقد لفتت الصور التي قدمها في معارضه الأنظار إليه بقوة لكونها تعبر عن حبه للإنسان وللطبيعة من خلال رصده الرهيف لملامح الوجه البشري وعادات المجتمع وتقاليد المحيط. وقد عبر عن ذلك بقوله: «أنا إنسان وأحب الإنسان وأصور الإنسان الذي يحتاج للمساعدة».
يرى إسكندر أن الفن ساعده على الاندماج بالمجتمع المجري. لأن الهنغاريين يقدرون الفن، وقد اتسم تصويره للريف المجري ولملامح الوجه الإنساني بخصوصية أذهلت الشعراء والأدباء، فكتب أحد النقاد عنه: «لا يمكن أن يستطيع إنسان غريب الثقافة أن يدخل أعماق الثقافة المجرية والمجتمع المجري والريف المجري كما فعل بهجت إسكندر، ولا أحد يصدق أنه لم يولد هنا مع آبائه وأجداده».
وقد اعتبر إسكندر مشاركاً في كتابة التاريخ المجري المعاصر من خلال صوره التي زاد عددها على عشرة آلاف صورة، لذا قدمت له الحكومة المجرية في عام 2000 منحة تفرغ كي يكمل عمله ويقوم بتوثيق التغييرات في المجتمع الهنغاري في مطلع القرن الحادي والعشرين، أقام بهجت إسكندر العديد من المعارض الفردية وشارك في مئات المعارض الجماعية حول العالم، وحصل على أكثر من مئة جائزة ووسام، أهمها وسام استحقاق الجمهورية المجرية بدرجة فارس عام 2008، ووسام الاستحقاق المجري برتبة «ضابط» عام 2012، وفاز في مطلع العام الحالي بجائزة «كوشوت» التي تعد أرفع جائزة يقدّمها رئيس جمهورية «هنغاريا» للمبدعين.
في أحد لقاءاته عبر إسكندر عن شعوره بالتقصير تجاه بلده سورية «كان أملي كبيراً في توثيق دمشق قبل أن تكون عاصمة الثقافة العربية ولكن مع الأسف لم يساعدني الحظ في ذلك وبقيت حسرة في قلبي حتى الآن».
في عام 2012 أصدر إسكندر ألبوماً ضخماً بعنوان «حفنة من العالم»، بثلاث لغات (المجرية، والعربية، والإنكليزية)، وقد وصفه الشاعر المجري البارز فيرينز بودا الحاصل على لقب فنان الأمة بقوله: «هو كله عين يقظة وقلب مفتوح» كما أشاد الشاعر أدونيس به: «لا يقدم مجرد مشهد بصري وإنما يقدم كذلك معرفة».
وقد صدر له مؤخراً بورتريه بعنوان: «مجرد لحظة» يقع في ثلاثمئة صفحة من القطع الكبير ويتضمن مقالات عديدة لنقاد وأدباء وفنانين ضوئيين حول تجربته، كما يتضمن صوراً تمثل أبرز محطات حياته، إضافة إلى لوحات ضوئية من إبداعه تمثل مختلف مراحل تجربته الإبداعية.
يعرب إسكندر عن ألمه لأن الكثير من الآثار السورية التي وثقها قد دمرها الإرهاب.
صحيح أن إسكندر يحمل الجنسية المجرية منذ أكثر من نصف قرن لكنه لا يخفي هويته أبداً « أفخر بكوني سورياً وأمثل صورة بلادي أينما كنت».
كلي أمل أن يستفاد من قدرات هذا الفنان القدير لتقديم وجه سورية الحقيقي للعالم.