قضايا وآراء

استقالة تصحيح المسار

| أحمد ضيف الله

بشكل مفاجئ، قدم رئيس المجلس النيابي العراقي محمد الحلبوسي استقالته من منصبه، إلا أن المجلس النيابي وبحضور 235 نائباً من أصل 329 عدد نواب المجلس، رفض الاستقالة في جلسته في الـ28 من أيلول الماضي، بتصويت 220 نائباً لرفضها، مقابل 13 نائباً وافقوا عليها، وكان الحلبوسي قد قال في تصريحات له ضمن فعليات «ملتقى الرافدين» في بغداد في الـ26 من أيلول الفائت، قبل الجلسة: «لم أتداول قرار استقالتي مع قادة الكتل، كما لم أناقش تحالف السيادة في قرار استقالتي من رئاسة البرلمان»، موضحاً أن «التحالف الثلاثي انتهى باستقالة الكتلة الصدرية، وأحد أسباب تقديم استقالتي هو مبدأ فتح الطريق أمام وجهات النظر السياسية للآخرين».

في الـ9 من كانون الثاني 2022، شهدت الجلسة الأولى للمجلس النيابي الحالي عراكاً وفوضى وفرض إرادات، مفتعلة وغير مبررة، متسببة بفجوة خطيرة في المشهد السياسي العراقي، انعكست آثارها في زعزعة العملية السياسية، وفي عدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية ولا تكليف رئيس جديد لرئاسة الوزراء حتى تاريخه.

في الجلسة النيابية الأولى، قدم النائب المستقل باسم خشان طلباً معزّزاً بالوثائق، بشأن مخالفات قانونية وحنث باليمين الدستورية بحق المرشح لرئاسة المجلس محمد الحلبوسي، ولدى تقديم الإطار التنسيقي طلب تثبيتهم ككتلة نيابية أكبر بـ88 نائباً، شكك نواب الكتلة الصدرية بالأسماء الواردة في القائمة، مقدمين قائمة بـ76 نائباً، مطالبين باعتمادهم ككتلة نيابية أكبر، ما أدى إلى مشادات كلامية حادة وتدافع بين نواب الإطار التنسيقي ونواب التيار الصدري، تسبب في نقل رئيس السن محمود المشهداني من القاعة محمولاً على الأكتاف إلى المشفى، مغمىً عليه، حين أعلن رفع الجلسة للتداول، والمشهداني، قال بعد خروجه من المشفى: إنه تلقى ضربة على رأسه تسببت بإغمائه، وهو لا يدري «إن كانت الضربة عمداً أو من دون قصد».

في هذه الجلسة العاصفة، وبعد أن اعتذر رئيس السن البديل عامر الفايز تولي مسؤولية إدارة الجلسة، وانسحاب نواب الإطار التنسيقي ونواب حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، ونواب مستقلين آخرين من الجلسة النيابية، استمرت الجلسة بحضور 226 نائباً من أصل 329 عدد نواب المجلس، ليُمرر رئيس السن الثالث خالد الدراجي، انتخاب النائب محمد ريكان الحلبوسي رئيساً للمجلس النيابي لدورة ثانية بـ200 صوت، والنائب حاكم الزاملي عضو الكتلة الصدرية كنائب أول للرئيس بـ182 صوتاً، وشاخوان عبد الله النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني لمنصب النائب الثاني للرئيس بـ180 صوتاً.

محمد الحلبوسي وصل إلى منصبه بأصوات التحالف الثلاثي غير المعلن وقتها، المكون من التيار الصدري، والحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود البارزاني، وتحالف «السيادة» الذي يرأسه الحلبوسي مع خميس الخنجر، والذي أعلن عن تسميته بتحالف «إنقاذ وطن» بعد الجلسة، متقاسمين مناصب هيئة رئاسة مجلس النواب بينهم، ساعين لتأليف حكومة أغلبية وتقاسم مناصبها فيما بينهم أيضاً، إذ لم ينَل الحلبوسي أي صوت من أصوات نواب «الإطار التنسيقي»، وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، ولا أصوات عدد من النواب المستقلين، لكونهم قاطعوا الجلسة وغادروها.

تقديم طلب الاستقالة كان مناورة سياسية، محسوبة وذكية، لجهة التخلص من الضغوط والتهديدات بالإقالة التي كان يتعرض لها الحلبوسي بسبب التجاذبات السياسية الحاصلة، لكونه أوقف أعمال المجلس النيابي عند اقتحام أنصار التيار الصدري مبنى المجلس، ولاتهامه بأنه واجهة تركية وإماراتية.

الحلبوسي أراد جس نبض مواقف الإطار التنسيقي النهائية منه، ورفض الاستقالة سيُعتبر تجديداً للثقة فيه، وإغلاق صفحة الخلافات السابقة مع الإطار التنسيقي، ومنع أي تصويت مستقبلي لإقالته، إضافة إلى ترسيخ مكانته كقائد سياسي لـ«السنّة» في المنطقة الغربية، ما سيمنحه قوة ودعماً للمرحلة المقبلة، وإن قبلت، وقد كان ذلك مستبعداً، فإن ذلك سيعزز من حضوره الجماهيري في الانتخابات المقبلة، عدا إدخال العراق في فراغ سياسي جديد خانق يضاف إلى فراغ منصبي رئيسي الجمهورية والحكومة المستمر.

الحلبوسي وجد نفسه بعد انسحاب نواب التيار الصدري، وانفراط عقد تحالف «إنقاذ وطن»، رئيساً لمجلس نيابي مختلف، يشكل الإطار التنسيقي الأغلبية النيابية فيه، وبالتالي فهو بحاجة إلى إعادة ترميم علاقاته مع قوى الإطار التنسيقي التي باتت القوة المرشحة لتشكيل الحكومة الجديدة.

إن تقديم الحلبوسي استقالته، كان قراراً عقلانياً، حكيماً وصائباً، لتصحيح مسار العملية السياسية، إذ كان من المهم بيان رأي النواب الذين انسحبوا من جلسة انتخابه الأولى، ورأي النواب الجدد الذين حلوا مكان النواب الصدريين المستقيلين برئيسهم، مسهلاً بذلك استئناف جلسات المجلس النيابي المتوقفة منذ آخر جلسة له في الـ23 من تموز الماضي، وهو ما كان الإطار التنسيقي بحاجة إليه لتحريك المجلس، كمقدمة لتمرير مرشحه لرئاسة مجلس الوزراء محمد شياع السوداني.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن