من دفتر الوطن

سلاح لا يجرح..!

| عصام داري

الكلمة سلاح يجرح، وترياق يداوي، هي درب إلى قلوب الناس، وسهام مسمومة توجه للصدور والظهور.

بالكلمة تبدأ قصة حب، وتبدأ حرب، والإنسان في كلتا الحالتين هو نفسه الذي يستخدم الكلمة ويوجهها نحو الخير، أو الشر، ويصنع الحب، أو يخوض الحروب، ومعروف أن النفس البشرية تتكون من الخير والشر معاً، لكن الاختلاف يكون بالنسبة لمصلحة من تميل كفة الميزان: نحو حب وخير وعدالة وسلام وإشراق، أم نحو حقد وبغضاء وشر وظلم وحرب.

تلك هي المشكلة يا شكسبير«أن نكون أو لا نكون» إما في صف الخير والمحبة، وإما في جبهة الحروب والكراهية، نحن الذين نختار، ويا لصعوبة الاختيار!

لكن الظلم يقع علينا دائماً عندما يفرضون الحروب ويؤججون الكراهية والبغضاء، نظلم مرتين، مرة لأننا نتعرض لهجومهم الكاسح، ومرة لأننا خسرنا رهاناً في معركة طويلة عنوانها الخير، لكننا لم نخسر الحرب دفاعاً عن القيم والمثل النبيلة، وعن الحب، فخسارة معركة لا يعني الهزيمة ورفع الراية البيضاء، بل ربما ذلك يجعلنا أكثر صلابة استناداً لمبدأ «الضربة التي لم تقتلك تقويك، بل تجعلك أكثر قوة».

العالم واسع والخيارات كثيرة والحب أسهل من صنع الكراهية والبغضاء، ودرب المحبة معبّد بالأحاسيس والمشاعر الإنسانية الخلاّقة، بعكس زواريب الحقد المزروعة بالأشواك والحجارة والألغام، إنها مجرد دعوة إلى واحات الحب في صحارى غطت المساحات الشاسعة من الأرض والنفوس، وأظن أن الكثيرين سيلبون النداء.

أكتب اليوم بعيداً عن التوتر والمعاناة التي نعيش فيها جميعاً، بعيداً عن المتاهة التي وضعونا فيها كي نتوه بين التناقضات والأفكار، فربما نكفر بكل المسلمات ونتبنى أفكاراً دخيلة على حياتنا ومعتقداتنا وإيماننا.

أبتعد عن مشاكلنا اليومية، وأزعم أنني أسلك طريق الكلمة الطيبة التي قلت إنها كلمة الخير والحب والعطاء، لكنني أجد نفسي أعود إلى كل تلك المشاكل التي تحاصرني وتحاصرنا جميعاً.

فمن السهل أن نسطّر الصفحات عن التفاؤل والأمل والفرح والحب، لكن الصعوبة في التطبيق على أرض الواقع، فكيف لنا أن نتحدث عن هذا الفرح، وذلك الحب، ونحن نفكر على مدى أربع وعشرين ساعة في متطلبات الحياة التي صارت صعبة للغاية، وهناك أمور منها صارت مستحيلة.

كما بدأت مقالتي هذه أعود وأقول: إن الكلمة سلاح يجرح، وترياق يداوي، وأنا اليوم أنوي أن أخفف من حدة شكواي وانتقاداتي لكل شيء سلبي أراه ويراه الجميع لكن أحداً لا يتبرع في تحويل السالب إلى الموجب والفساد إلى صلاح وأخلاق حميدة!.

هل لاحظتم؟.. كل محاولاتي التي بذلتها للخروج عن الموضوع اليومي والهموم اليومية لم تنفع، لأنني في قلب تلك الهموم وواحد من الأغلبية الساحقة التي تعاني الأمرّين بفعل ظروفنا التي لم يجدوا لها حلولاً رغم آلاف الحلول الموضوعة على الرف أو المركونة في أدمغة المفكرين.

مع ذلك، تبقى الكلمة كل ما أملك، وكلمتي لا تجرح، لكنها قد تطعمني الخبز الحاف الذي يعرض الأكتاف لا أكثر!.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن