اقتصاد

عندما طلب الرئيس عـالم اقتصاد بيد واحدة!

| د. سعـد بساطـة

روي عـن الرئيس هاري ترومان أنه طلب من مستشاريه عـالم اقتصاد؛ بغـية حل إحدى المشكلات العـويصة، لكنه أبلغـهم طلباً غـريباً بأن يكون بيد واحدة! فلما سئل عـن السبب؟ أجاب باسماً: إن كل عـالم يطرح الحل، ولكنه يستدرك لتعـداد المحاذير قائلاً: «ومن جانب آخر، on the other hand»؛ وهنا يرغـب الرئيس بحل من دون عـواقب جانبية!

وفي وقتنا هذا لـن تجد من يفسـّر ما يحصل من تضخم وكساد سوى «الاقتصاد»!

ولكن.. هل تعـلم أن الاقتصاد ليس عـلماً؛ بل هو مزيج عـجيب من العـلم الاجتماعي والفن.

إنـه الدراسة العلمية للملكية والفائدة وغالباً ما يُختصر في علم النُدرة. وعلماء الاقتصاد ليسوا كغيرهم قادرين على القيام بتجارب يمكن التحكم بها كما يفعل علماء الكيمياء والأحياء. من هنا، يجب على علماء الاقتصاد أن يوظفوا الطرق المختلفة، التي تعتمد في الأصل على الملاحظة والاستنتاج وتفسير النماذج المجردة.

يقول اقتصادي مداعـباً: «تحت النظام الرأسمالي؛ الرجل يستغـل الرجل الآخر. في حين في النظام الشيوعي تنقلب الآية»!

تتضمن دراسة الاقتصاد ثلاث نقاط مترابطة:

لماذا تُبدل الموارد النادرة؟

كيف يتصرف المستهلك والمنتج عند تفاعلهما مع بعضهما داخل سوق العمل، مع محاولتهما تحقيق المنفعة المتبادلة؟

ما دور الحكومة في التعويض عن محدودية قوة السوق بتحقيق تبادل يفيد الطرفين بشكل عادل؟

يُعـتبر آدم سميث الفيلسوف والاقتصادي الليبرالي، مؤسس علم الاقتصاد السياسي وواضع مبادئه الأولى في كتابه المشهور «ثروة الأمم» الذي نشر عام 1776، وقد قامت على أفكاره ونظرياته أسس «المدرسة الكلاسيكية» في الاقتصاد.

عُرف سميث بالنظرية الاقتصادية التي تحمل اسمه، وتقوم هذه النظرية على اعتبار أن كل أمة أو شعب يمتلك القدرة على إنتاج سلعة أو مادة خام بتكلفة أقل بكثير من باقي الدول الأخرى، فإذا ما تبادلت الدول هذه السلع عمّ الرخاء بين الجميع؛ إذ تقوم اتفاقية التجارة العالمية على كسر الحواجز أمام انتقال السلع لكي تعم العالم.

شرح كتاب «ثروة الأمم» الاستعـارة التي تصف اليد الخفية Invisible hand‏ بقوله إن الفرد الذي يقوم بالاهتمام بمصلحته الشخصية يساهم أيضاً في ارتقاء مصلحة مجتمعه ككل.

وهنا فرع جديد في الاقتصاد «الاقتصاد القصصي» وللتنبؤ بالأحداث الاقتصادية الكبرى. وتتلخص فلسفة شيلر في كتابه في أن علم الاقتصاد يُعنى بدراسة السلوك الإنساني، وينتشر بين البشر عبر القصص، لذا فإن القصص هي ما تصنع الأحداث الاقتصادية.

من أشهر القصص التي تكلم عنها شيلر في كتابه وذكر أنها تختفي ثم تعود بطفرات مختلفة أكثر من مرة قصة أو فكرة أن تختفي الوظائف بسبب التقنية. ففي بدايات 1860 بدأت الآلة تزيح الوظائف الزراعية، وبدأ الناس في مختلف المجالات يشعرون بالقلق من أن تسلب الآلة وظائفهم. ورغم أن الآلة آنذاك سلبت عدداً كبيراً من الوظائف، فإن الناس وجدوا بدائل لتلك الوظائف التي خسروها للآلة ونسوا خوفهم منها. ثم وصلت البطالة في أميركا إلى مستويات كبيرة وغير مسبوقة في فترة الكساد الكبير 1933 فارتاع الناس واتهموا الآلة بأنها سبب الكساد العظيم، أما اليوم فلا يوجد اقتصادي يعتقد أن الآلة كانت السبب في الكساد الكبير.

وتساءلت «النيويورك تايمز» تحت عـنوان «إذا كان الاقتصاديون أذكياء جداً، فلماذا ليسوا بأثرياء؟» كثيرون منهم يذهبون للعمل في المؤسسات الحكومية والتعليم العالي. ومن المعلوم أنه لا يعمل لدى هذه الجهات من يطمح لجمع ثروات هائلة. ووفقاً لمكتب إحصاءات العمل، بلغ متوسط الأجور السنوية للاقتصاديين أقل من متوسط الأجر الذي يتقاضاه علماء الفلك والمهندسون النوويون وفنانو المكياج المسرحي والأدائي.

وهناك طرفة عن مجموعة من المصرفيين الاستثماريين الذين يسألون أستاذ الاقتصاد: لماذا ليس هو ثرياً إذا كان ذكياً جداً؟ فيسألهم لماذا هم ليسوا أذكياء إذا كانوا أثرياء جداً؟

الاقتصاد هو العلم الوحيد الذي يحوز مفكروه جائزة نوبل للعام عـلى نظرية ما؛ وللعـام الذي يليه: عـلى عـكس النظرية!

في الختام أقول «مبادئ الاقتصاد، مثل حسك السمك، سهلة لدى الابتلاع، عـسيرة وقت التخلص منها»!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن