قضايا وآراء

عام على الفتنة

| أحمد ضيف الله

لم أكن متجنياً ولا مجانباً للحقيقة حين قلت قبل نحو عام في مقالتي «إشكاليات نتائج الانتخابات النيابية العراقية» التي نشرتها «الوطن» في الـ19 من تشرين الأول 2021: إن «التجاذبات السياسية، والتناحر بشأن نتائج الانتخابات واستحقاقاتها، سيؤدي إلى إطالة فترة الاتفاق على الرئاسات الثلاث وتشكيل الحكومة الجديدة، وقد يستغرق أشهر عدة».

وها هو العراق يكمل عاماً كاملاً على إجرائه الانتخابات النيابية المبكرة في الـ10 من تشرين الأول 2021، والوضع مازال على حاله، لا رئيس جمهورية جديداً، ولا حكومة جديدة، والعراق في حالة شلل سياسي وانسداد خطير.

الإعلام الخليجي، والفضائيات والصحف والمواقع الإلكترونية التي ترتزق من نهج التطبيع، أشادت وقتها بدقة النتائج الانتخابية، مدعية أن الكتل السياسية الداعمة للحشد الشعبي وحدها رفضت النتائج الانتخابية وطعنت بها، وما جرى انتصار للقوى المناوئة لإيران.

إلا أن أغلب القوى السياسية والشخصيات والقوى المستقلة المشاركة بالانتخابات، من الشيعة والسنّة والأكراد والأقليات القومية، التي تقدمت بـ1400 طعن، رفضت النتائج المعلنة لهذه الانتخابات، بمن فيها على سبيل المثال لا الحصر، تحالف عزم برئاسة خميس الخنجر، والحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود البارزاني، الذي لم يكتف بالرفض فقط، بل اتهم رئيسَي الجمهورية برهم صالح ومجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، بالتلاعب بالنتائج الانتخابية.

المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ومن خلال بياناتها ومؤتمراتها الصحفية آنذاك، بدت مرتبكة، في محاولة تبرير التباين في النتائج ما بين الأشرطة الورقية التي بحوزة المرشحين، وتلك الواردة من مخدم الانتخابات الرئيس «السيرفر» في دولة الإمارات، وما شكك بمصداقية ونزاهة عملها، إقرارها بأن «المحطات التي لم ترسل نتائجها عبر القمر الصناعي في الوقت المحدد، بلغ عددها 3037 محطة»، فضلاً عن «وجود محطات لم تُخزن نتائجها في عصا الذاكرة ولم تُرسل عبر القمر الصناعي وعددها 140 محطة»، ومن ثم قيامها بإلغاء نتائج محطات عدة.

انتقادات ومخاوف كثيرة سبقت هذه الانتخابات، محذرة من وجود المخدم «السيرفر» في دولة الإمارات، ومن إمكانية اختراقه لتغيير البيانات والتلاعب بالنتائج، وقد أشرت في مقالة لي في صحيفة «الوطن» في الـ28 من تشرين الأول 2021، إلى أن آلية نقل البيانات من صناديق الاقتراع في العراق إلى المخدم الرئيس «السيرفر» في دولة الإمارات عبر الأقمار الصناعية والذي سميته بـ«مخدم الفتنة»، ومن ثم إعادة إرساله النتائج مجمعة إلى مقر مفوضية الانتخابات في بغداد، جرى اختراقها والتلاعب بنتائجها. وقد شككت الشركة الألمانية الفاحصة لأجهزة التصويت «هنسولدت» في تقرير فني لها، بدقة أداء بعض الأجهزة والبرمجيات المستخدمة في العملية الانتخابية.

المحكمة الاتحادية العليا لم تلب مطالب القوى التي طعنت بصحة النتائج، بإعادة الفرز اليدوي لجميع الصناديق وإلغاء نتائج الانتخابات، وردت كل الدعاوى، لخلو القانون الانتخابي من أي نص يمكن للمحكمة من أن تركن إليه، والحكم على أساسه.

وهكذا أنتجت فتنة «المخدم» تداعيات وانقسامات سياسية، صعدت من حدة الخلافات والصراعات المذهبية والقومية والحزبية، معرضة السلم الأهلي لخطر حقيقي.

ومع قيام التيار الصدري بإملاء شروط ملزمة على الآخرين للمشاركة في الحكومة المقبلة، محملة إياهم مسؤولية ما جرى في السنوات الماضية من إخفاقات وفساد، في محاولة لإبعادهم عن ممارسة أي دور في المرحلة المقبلة، رغم أنه كان مشاركاً بالحكم مثلهم، ومن ثم انسحاب نوابه من المجلس النيابي، وتعطيل العملية السياسية باقتحام أنصاره مباني المجلس النيابي والمجلس الأعلى للقضاء والحكومة في المنطقة الخضراء، توسعت الهوة بين المتنافسين، وتعقد المشهد السياسي أكثر مما هو عليه أساساً.

العراق حتى الآن «مكانك راوح»، والانسداد السياسي ما زال سمة المشهد العراقي، فلا اعتصامات نفعت، ولا معارك وكسر إرادات واقتحامات نجحت، ولا مبادرات تمكنت من حلحلة الأزمة السياسية التي تزداد تعقيداتها يوماً بعد آخر.

الإطار التنسيقي الذي رشح محمد شياع السوداني، يخشى رد فعل التيار الصدري إن مضى في تشكيل الحكومة بافتعال مواجهات وأحداث عنف، والحزبان الكرديان، «الديمقراطي الكردستاني» و«الاتحاد الوطني الكردستاني»، لم يحسما بعد خلافاتهما بشأن المرشح لرئاسة الجمهورية، المخول تكليف مرشح الإطار التنسيقي تشكيل حكومته.

وإلى أن يتفق الفرقاء السياسيون على الخريطة السياسية، تستمر التحديات الاقتصادية والحرمان من الخدمات العامة والأمان، بطحن العراقيين، في بلد بلغ احتياطه النقدي 87 مليار دولار، مرهون الاستفادة منها بتشكيل حكومة ذات صلاحيات كاملة، فحكومة مصطفى الكاظمي لتصريف الأعمال، لا صلاحيات لها في تقديم مشروع الموازنة المالية للمجلس النيابي، لإنقاذ العراقيين، والإنفاق وفقه.

عام على الفتنة، والمكاسرة السياسية مستمرة، وعربان التطبيع وإسرائيل يصبون الزيت على النار، والعراقيون يئنون بين مطرقة هذا وذاك، ولا من معين، إلا الله.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن