من دفتر الوطن

أصدقاء الحزن

| عبد الفتاح العوض

الفيلسوف العربي الكندي يرى في رسالة «حيل لدفع الأحزان» أن أي ألم غير معروف الأسباب لا شفاء له.. بمعنى: إن لم تعرف سبب حزنك، فلا تحاول أن تشفيه.. وهزيمة الحزن تأتي من خلال معرفة سببه، ومن مقولاته العميقة: إن أنجح الطرق لمواجهة أحزان الحياة هي: «ألا نريد ما لا نريد» ويفسر ذلك بألا تقوم بأفعال تجلب علينا الهموم، ويرى أن البشر يهرولون إلى القيام بأعمال تجر عليهم الحزن.. ويذهب أبعد من ذلك عندما يعتبر الحزن نوعاً من الحمق.

«الحزن نوع من الحمق والظلم في حق النفس على الذات وتمييزه بين الحزن الناشئ من الذات والحزن الناشئ من الغير».

كثير من الدعوات التي تصل من خبراء التنمية البشرية تدعو إلى الابتعاد عن أصدقاء الحزن أولئك الذين يرسلون لك إشارات سلبية تثير مكونات مؤذية في النفس البشرية.

فما زال معظم الناس مقتنعين أن الضحكة «معدية»، وأن تجلس مع شخص يبتسم ويضحك لابد أن تصيبك عدواه وتنتقل إليك شيئاً فشيئاً. وما زال هناك من يقول: إن تصادق ثلاثة ناجحين فستكون أنت رابعهم. فهل هناك عدوى الحزن أيضاً؟؟

يبدو أن مسألة الحزن أكثر تعقيداً.

ففي بلادنا الآن الكثير من أصدقاء الحزن، وللأسف من النادر أن تجد الكثير من الأشخاص الذين يشعرون بأن الأمور جيدة، بل على العكس تماماً فالمشاعر السلبية منتشرة جداً ولا تكاد جلسة إلا وتجد فيها بحر الشكاوى يغرق الناس بمآسيهم. لكن السؤال.. فمن للحزانى إذاً إن لم يجدوا من يواسيهم؟!

في أصل التعاطف مع مشاعر البشر أن تكون معهم في وقت الحزن والضيق، وليس في وقت الفرح والغنى، فغالباً في هذه الأوقات لا ينقص الفرح كثيراً إن لم نشارك به، لكن الحزن يتضاعف إن لم تجد أحداً ما قربك يحاول جهده أن يساعدك على تجاوز هذه الأوقات الصعبة.

فوق كل ذلك وفي الأوقات الكئيبة نحتاج إلى صانعي الفرح.. ومقدمي التفاؤل.. ومثيري الضحكات.

حتى الآن فإن المجتمع السوري يتبادل أنخاب الحزن ولا يوجد الكثير مما يدعو إلى التفاؤل والفرح والإحساس بأن القادم فعلاً أجمل.

اليقين أننا تجاوزنا الأسوأ أو ما كان ممكناً أن يكون سيئاً جداً، ومن الواضح أن هذه الفكرة ليست واضحة المعالم لكثير من الناس، فالشيء المؤكد أن المجتمعات عندما تصل إلى مراحل سيئة اقتصادياً واجتماعياً فإنها مقبلة بحكم القانون الاقتصادي للتحسن تدريجياً. المشكلة أن هذا القانون يتأخر بسبب عوامل في معظمها خارجية ولا نستطيع أن نؤثر فيها لصعوبتها وتعقيداتها.

لكن هذا ليس شأن الناس بشكل عام إذ إن المواطن بحاجة ماسة ليرى أننا فعلاً تجاوزنا الأصعب وأن الأمور قابلة للتحسن، وما يراه المواطن الآن أن الأمور أصبحت أكثر صعوبة وخاصة من الناحية المعيشية والاقتصادية، وكل هذا ينعكس على كل شيء بما فيه العلاقات الإنسانية والاجتماعية.

مهما كانت هذه الظروف صعبة فإن فيها ما يحمل على حسن الظن بالمستقبل لأنه بعد دورات الركود يأتي الانتعاش وبعد العسر يسر.

آن الأوان ليتحول السوريون من أصدقاء الحزن إلى أصدقاء البهجة، الطريقة التي اتبعها فيلسوف اسمه بوثيوس كانت مميزة، فقد كان في السجن وألّف كتاباً اسمه «عزاء الفلسفة» من قبل 1500 عام وفيه تحدث عن حيل يمكننا من خلالها التغلب على الحزن قال فيه: «لا يمكن لأي إنسان أن يكون آمناً حقاً حتى يخاطر بحظه». وكل ما هو موجود هو اتساق متناغم لأن اللـه موجود. إنها الآية القرآنية عزاء كل محزون.. «لا تحزن إن اللـه معنا».

 

أقوال:

– يبقى الحزن الصامت يهمس للقلب حتى يحطمه.

– ثمة قلوب صفعها الحزن كثيراً.

– الحزن يسبب ظلاماً في القلب أكثر من أي خطيئة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن