قضايا وآراء

معركة تمزيق «المظلة» أو إيجاد بدائل لها

| عبد المنعم علي عيسى

عندما كانت عجلات الدورة السبعين من أعمال الأمم المتحدة تدور في أيلول من العام 2015 جرى لقاء بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي الأسبق باراك أوباما، وفيه استطاع الأول الحصول على «تفهم» أبداه الثاني لعمل عسكري يمكن أن تذهب إليه موسكو في سورية في غضون الأيام القليلة المقبلة، الأمر الذي انطلقت تحضيراته سريعاً في أعقاب ذلك اللقاء، ثم تسارعت الخطوات ليعلن في 30 أيلول 2015 عن انطلاق «عاصفة السوخوي» التي أدت إلى تحول جذري في المشهد السوري، وكذا أدت إلى تحولات إقليمية فرضها حضور «الدولي» بثقله المباشر فقادت إلى تهميش «الإقليمي» الذي بات حراكه، وهامش مناورته، رهيناً بـ«الدفة» التي يمسك بها الأول.

كان التدخل العسكري الروسي الحاصل في سورية خريف العام المذكور قد جاء تحت المظلة الأميركيـــة التي وافـق أوباما على رميها عليه لاعتبارات تتعلق بتوجه أميركي لم يكن يرغب في حصول تصدعات كبرى في المشهد السياسي العام في المنطقــة حيث تمثل دمشق فيه حجر زاوية إذا ما انفرط فلســوف تكون للأمر تداعياته على كامل المشهد وصولاً إلى معاودة «الفالق» الممتد من أقصى الشرق العربي إلى أقصى غربــه لنشــاطه من جديــد، بعد أن استكان نشاط الفالــق لفتــرة في أعقـــاب «الهدوء» المصري الحاصل ما بعد تموز 2013، والمؤكد أنه كان من الصعب على الأميركيين التنبــؤ في حينهــا ما مــدى «النشـــاط» الــذي ســيذهب إليــه في حركتـه التــي ســتنطلق لحظــة انهيار حجر الزاوية السوري.

كان أيلول السوري تصعيداً روسياً لتثبيت «الحجر الإقليمي السوري»، بعكس نظيره الأوكراني للعام 2022 الذي يرمي إلى هدم «حجر الزاوية العالمي» الأميركي، وعندما كانت تدور عجلات الدورة 77 من أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، سعى الرئيس الروسي في خطابه المتلفز في 30 أيلول المنصرم إلى توجيه رسائل تهدئة لهذا الأخير بقوله: «نحن لا نسعى إلى إحياء الاتحاد السوفييتي من جديد»، في محاولة لتأطير السياقات التي قادت نحو الإعلان عن أن «سكان لوغانسك ودونيتسك وخيرسون وزابوريجيا أصبحوا مواطنين روساً للأبد»، قبيل أن يدعو نظام كييف لـ«وقف القتال، ووقف جميع الأعمال العدائية، والعودة إلى طاولة المفاوضات».

شكلت الرسائل السابقة الذكر أبرز ما أراد الرئيس الروسي إيصاله للغرب في خطاب 30 أيلول المنصرم الذي احتوى على رسائل أخرى عديدة وإن كانت تقل عنها في الأهمية، وهو أراد بها القول إن انطلاق المفاوضات مع الأوكران، التي لا يمكن لها أن تنطلق من دون غمز غربي أميركي بالتأكيد، سوف يضمن ألا تذهب موسكو في خياراتها لمدى أبعد من ذاك الذي وصلت إليه، لكن من دون وجود تفكير بالرجوع عنها، على حين أن فعلاً نقيضاً لهذا الفعل السابق سوف يترك الباب موارباً لكل الاحتمالات التي سعى الغرب إلى تسويق «الخيار النووي» كأحدها، حتى إن الرئيس الأميركي قال أمام تجمع لحزبه في نيويورك في 6 تشرين الأول الجاري إن العالم «لم يواجه احتمال حدوث «أرميغدون/ نهاية العالم» منذ عهد الرئيس الأميركي الأسبق جون كيندي وأزمة الصواريخ الكوبية عام 1962».

من المؤكد أن بوتين لم يكن يرى أن دعوته تلك سوف تلقى أذناً مصغية لدى من قيلت لهم ليسمعوها، لكن مرامي الفعل هنا تندرج في سياق القول إن المتغيرات الجيوسياسية التي أفرزها استفتاء 23 – 27 أيلول المنصرم تمثل السقف الذي تريد موسكو الذهاب إليه، والراجح هو أن رؤية الرئيس الروسي كانت تذهب نحو إمكان أن يهدئ ذلك الفعل المخاوف الأميركية التي استولدتها محاولة بوتين «الهجومية» لدحر نظام الهيمنة الأميركي بعد سلسلة من المحاولات «الدفاعية» كـ«شنغهاي» في 2001 و«بريكس» في 2009، لكن الراجح هو أن واشنطن قرأت في الخطاب الروسي لحظة «ضعف» لا يمكن تفويتها تحت أي ظرف من الظروف، وعليه فقد أعلنت، والإعلان لا يعني بالضرورة كل الحقيقة التي قد تكون بعيدة جداً عما هو معلن، عن حزمة مساعدات عسكرية لنظام كييف تهدف إلى إحداث خروقات وازنة في مناطق السيطرة الروسية شمال أوكرانيا، قبيل حلول فصل الشتاء الذي يمر قاسياً على جغرافيا الصراع بما يحتم، تقريباً دخول هذا الأخير مرحلة المراوحة التي سيكون من شأنها، وفق قراءة واشنطن، زيادة الضغوط السياسية على الرئيس الروسي، وهو الأمر الذي تبدى رهانه جلياً في ما قاله الرئيس الأميركي جو بايدن في خطاب 6 تشرين الأول الآنف الذكر حين قال إن «بوتين يتعرض لضغوط سياسية متزايدة في الداخل، وهو قد يجد نفسه من دون مخرج»، والمؤكد أن هذا الشعور الغربي الذي يرصده قول بايدن السابق الذكر، هو الذي قاد إلى سلوك تصعيدي وصل ذروته بتفجير جسر القرم في 8 من الشهر الجاري الذي اعتبره عضو مجلس الدوما عن حزب «روسيا الموحدة» الحاكم أوليغ موروزوف «إعلان حرب بلا قواعد».

ما نريد قوله هنا إن «عاصفة السوخوي» السورية جرت تحت «المظلة» الأميركية فسارت في كثير من مراحلها نحو مراميها المرجوة منها، لكن «عاصفة السوخوي» الأوكرانية لم تكن خارج تلك المظلة فحسب، بل كانت تهدد بتهتك تلك المظلة برمتها، ولذاك حساباته، فالفعل يرمي من حيث النتيجة إلى إيجاد بدائل لتلك المظلة التي بدت متضعضعة، وقرار «أوبك+» في 5 تشرين الأول الجاري، بخفض الإنتاج نموذجاً، لكنها لا تزال تمثل خياراً أكيداً بالنسبة لغرب بات هاجسه الأمني و«الطاقووي» يمثل ركيزة سياساته، الأمر الذي يعني بقاء المظلة الأميركية من دون بدائل، على حين لا يزال أمام الروس، في سعيهم لإيجاد بديل لتلك المظلة أو إيجاد واحدة يحتمي بها عديدون، طريق طويل لا يخلو من مخاطر كبرى.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن