اقتصاد

مصروف المولدات في المعامل والمحال يدفعه المواطن … الصناعية بالوش: نسبة ربح 20 بالمئة غير كافية … مدير الأسعار: شكوى التجار مبالغ بها

| نوار هيفا

كل ما يجري يؤكد أن المواطن السوري ينفق على الجميع من جيبه المثقوب أساساً؛ على الحكومة، على التجار، على الخدمات، ومن ثم على أسرته وأولاده الذين قد لا يبقى لهم شيء.

مليارات الليرات ينفقها أصحاب المحال شهرياً ثمناً لمحروقات المولدات ليقدموا للمواطن كما يدعون «خدمة»، خدمة يرى المواطن أنه يدفع ثمنها مضاعفاً كي تصل إليه، فيمتنع عنها، لكن ماذا عمّا لا يستطيع التخلي عنه؟

أربعة أسواق

«الوطن» جالت على أربعة أسواق في دمشق «السوق التجاري في ضاحية قدسيا، الميدان (الجزماتية)، الشيخ سعد، سوق الشعلان (التنابل)» لرصد مصروف المولدات في محالها خلال شهر واحد فقط بشكل تقريبي، وضمن عمل 10 ساعات باليوم مع حساب عطلة الجمعة وعلى اختلاف سعة هذه المولدات وما تم تحميله عليها بين إنارة ومعدات، فتبين أن مصروف المحال الصغيرة ذات المولدات المتوسطة الحجم (ليترا بنزين بالساعة) أي ما يعادل 20 ليتراً باليوم، بمعدل 10 ساعات فقط، وعلى حساب سعر الليتر الواحد بـ7000 ليرة، ليكون ثمن ما يدفع للمولدات باليوم 140.000 ليرة، أي 3.640 ملايين ليرة شهرياً.

أما حساب المولدات الكبيرة ذات التحميل الإضافي وفق عمل المحال في هذه الأسواق فكان 4 ليترات بنزين بالساعة، أي 40 ليتراً باليوم ضمن حجم عمل 10 ساعات، وبسعر 7000 ليرة لليتر الواحد، أي 280.000 ليرة باليوم الواحد، وشهرياً 1040 ليتر بنزين بسعر 7.280 ملايين ليرة.

وبحسبة صغيرة بشكل تقريبي، وبعدد المحال التي تم رصدها، وكانت 20 محلاً ذا مولدة صغيرة و20 مولدة كبيرة في أسواق قد لا تعتبر رئيسية، كانت المبالغ المدفوعة بمليارات الليرت التي يتم تعويضها – كما ذكر أصحاب هذه المحال – من المواطن ذاته في ضوء حساب هامش الربح المضاف لبضائعهم وفق أثمان التكاليف.

تأثير سلبي

الصّناعيّة فاطمة بالوش صاحبة معمل للمواد الطبية والتجميلية، أكدت في تصريح خاص لصحيفة «الوطن»، أن المحروقات أثرت في الصناعات الوطنية بشكل كبير، فماكينات العمل كلها تعمل على المولدات، وأحياناً يصل سعر ليتر البنزين لـ8000 ليرة سورية.

وبيّنت أنها لا تستطيع زيادة سعر المنتج، وذلك لضمان تصريفه والتوفيق بين القوة الشرائية والمربح، وأضافت: «لكن حتى لو امتنعت أنا كصناعية عن رفع ربح المنتج، فإن التاجر سيرفع سعرها ليدفع ثمن البضائع وتكاليف النقل وتأمين هامش ربح».

وفي الحديث عن هامش الربح المحدد، أوضحت بالوش أن نسبة الربح المحددة وفق قانون التسعير من 15 إلى 20 بالمئة غير كافية، وأحياناً تضطر الصناعي لإيقاف العمل تفادياً للخسارة.

وضربت مثالاً: «حاجتي من المحروقات لتسليم طلبية واحدة 200 ليتر بنزين، أي ما يعادل مليوناً و400 ألف ليرة، عدا أجرة العمال وغيرها من المصاريف، لذا فإن الضغط على التاجر لتخفيض الأسعار لم يعد ينفع.

وأكدت أن رفع هامش الربح ليس حلاً، لأنه سيرفع سعر المنتج المحلي، ليصبح أغلى من المنتج الأجنبي المهرب، وفعلياً المستهلك يفضل المنتج الأجنبي على المنتج المحلي.

صناعي آخر قال لـ«الوطن»: «هناك تجار وصناعيون لجؤوا إلى تخفيف جودة المنتج لتعويض الخسارة، وهذا يؤثر في سمعة المنتج المحلي سلباً، مبيناً أن العمل تراجع عن العام الماضي أكثر من 70 بالمئة، حتى باتت فكرة الإغلاق واردة جداً لتخفيف أعباء هذه الخسائر.

المحروقات محسوبة

بدوره مدير دائرة الأسعار نضال مقصود، أكد أن شكوى التجار الدائمة من هذا الموضوع مبالغ بها، إذ تتم دراسة هامش الربح وفق تكاليف الإنتاج الكلية مع إضافة تكاليف المحروقات، كما أن نسب الأرباح وضعت بالتنسيق والتشارك مع الفعاليات في القطاع الخاص سواء كانت صناعية أم تجارية، وبنود التكلفة تُدرس ضمن لجنة التسعير المركزية بحضور ممثلين عن اتحاد غرف الصناعة والتجارة.

أما عن نسب هوامش الربح، فأوضح مقصود أن نسب ربح الصناعيين المحددة من المديرية لا تتجاوز 10 بالمئة لأنه ربح صناعي، أما التاجر فهو عبارة عن حلقتين، حلقة تاجر الجملة، وحلقة تاجر المفرق، ولكل حلقة نسبة ربح تقدر حسب المادة وأهميتها.

وعن آلية تحديد نسب الأرباح، أوضح مقصود أن الصناعي أو التاجر يضع بيان تكلفة منتجه مضافة إليها المحروقات، ثم يودعها لدى وزارة التجارة الداخلية، وفي حال كانت نسبة هامش الربح المحددة غير كافية، تقوم لجان التسعير المركزية والفرعية باعتماد التكاليف الحقيقية أينما كانت (صناعي وتاجر) وتضاف إليها نسب الربح.

عوامل داخلية وخارجية

من جهته الخبير الاقتصادي الدكتور حسن الحزوري أكد في تصريح خاص لصحيفة «الوطن»، أن عملية التسعير تعتبر مؤشراً اقتصادياً مهماً جداً، كونها الأداة الرسمية في المنافسة الحقيقية وهي مقياس لجودة السلعة أو الخدمة.

وبيّن أن عملية التسعير تتأثر بمجموعة من العوامل الداخلية، كالسياسة التنظيمية، تمايز المنتج، تكلفة المنتج، مرونة السلعة، قنوات التوزيع، نمط الشراء للمستهلك، البيئة الاقتصادية، المركز السوقي للشركة..إلخ، وعوامل خارجية تتعلق بعدد الزبائن وحجم الطلب وطبيعة السلعة، عدد المنافسين، والظروف الاقتصادية السائدة، والقوة الشرائية للعملة الوطنية ومتوسط الدخل للفرد ومدى استقرار سعر الصرف.. إلخ.

بدعة سورية

وأشار إلى أن طريقة التسعير المعتمدة في سورية، تكاد تكون مميزة عن بقية الدول، فهي بدعة سورية بامتياز، لأن التسعير الحقيقي يخضع لقواعد علمية تفرضها العوامل الداخلية والخارجية لكل مؤسسة أو شركة أو بائع، كما يخضع لقانون العرض والطلب في السوق، ما يجعل من نشرات الأسعار الصادرة عن أي جهة حكومية غير قابلة للتطبيق فعلياً، وتبقى كديكور توضع لدى المنتجين أو لدى المحال التجارية من دون التقيد بها، وفعلياً قد يكون السعر الذي ستباع به السلعة أعلى من السعر التمويني أو يساويه أو أقل منه حسب التكاليف الفعلية وطبيعة السلعة إن كانت قابلة للتخزين أم لا، وطبيعة السوق هل هي احتكارية حيث لا يوجد غير منتج واحد أو عدد قليل من المنتجين أو تنافسية حيث هناك عدد غير محدد من المنتجين أو المستوردين.

وأضاف: بالعودة إلى طريقة التسعير المعتمدة في سورية، التي تلزم الصناعي بهامش ربح بنسبة 10 بالمئة، وللتاجر بنسبة من 15 إلى 20 بالمئة، فهل هي نسب مقبولة للمستثمر الخارجي في حال أراد افتتاح مشروع؟ ولكن السؤال: هل سيحدد السعر وفق التكاليف الحقيقية التي سيصرح بها الصناعي، بمعنى هل تحسب التكاليف العلنية والتكاليف الباطنية أو المستورة؟ هل تكلفة المحروقات محسوبة بالسعر الرسمي أم بسعر السوق السوداء؟ هل يحصل الصناعي على كل مخصصاته من الوقود مثلاً لتشغيل منشأته بالشكل الأمثل؟ هل تكاليف المواد الأولية تحسب وفق سعر الصرف الرسمي أم سعر صرف السوق السوداء المتغير يومياً؟ وبالتالي على أي تكلفة سيتم التسعير من خلال إضافة 10 بالمئة لنصل إلى تسعيرة المنتج العادلة؟ الأسئلة نفسها يمكن أن نطرحها في حال التسعير لتاجر الجملة أو تاجر المفرق عندما نضيف بين 15 و20 بالمئة على التكلفة كأرباح، هل أخذنا بعين الاعتبار التكاليف المستورة التي يتحملها الصناعي والتاجر بسبب فساد البعض؟ هل تأخذ مديرية الأسعار في وزارة التجارة الداخلية هذه التكاليف بعين الاعتبار وتقبل بها من دون وجود إثباتات رسمية؟ ومن ناحية أخرى، كيف يستقيم أن تكون نسبة ربح الصناعي 10 بالمئة من التكلفة، وفي الوقت نفسه عندما يقدم تصريحاً بأرباحه الصافية الحقيقية، عليه أن يدفع ضريبة لوزارة المالية نسبتها 28 بالمئة في حال تجاوز ربحه الصافي ثلاث ملايين ليرة سورية؟ وإذا حسمنا الضريبة التي سيدفعها للمالية، سيبقى ربحه الصافي يعادل 7.2 بالمئة من التكاليف فقط، فهل هذه النسبة مشجعة للاستثمار والاستمرار في العملية الإنتاجية؟

تشجيع المنافسة

وأوضح حزوري أن الحل الأمثل لتسعير المنتجات الوطنية يكون من خلال تشجيع المنافسة ومنع الاحتكار، والسماح لأكبر عدد من المستوردين أو المنتجين بالدخول إلى السوق من دون عقبات أو شروط تعجيزية، وعدم احتكار الاستيراد للمواد الأساسية اللازمة للصناعة أو للتجارة على عدد محدد من المستوردين، وإلغاء كل التكاليف غير الشرعية التي تفرض على المنتجين الصناعيين بشكل خاص، على أن يكون الدور الأساسي لكل من وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك ووزارة الصناعة، هي ضمان الجودة، والتأكد من تطبيق المواصفات القياسية، وتصنيف المنتجات من نخب أول وثان وثالث حسب الجودة، ومحاربة الغش والتدليس وضمان سلامة الغذاء ومنع الاحتكار وترك التسعير لآلياته الطبيعية، أي قانون العرض والطلب في بيئة أسواق تنافسية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن