اقتصاد

الحكومة في البرازيل

| فراس القاضي

في اجتماع عُقد منذ أشهر، قال وزير المالية ما معناه: يطلقون على وزارة المالية لقب وزارة الجباية، وهذا صحيح ولا يزعجنا، وهو من ضمن عمل وزارات المالية في كل العالم.

جميلة هذه الشفافية، وتحسب للرجل، رغم أن علينا إبلاغه بمعلومة بسيطة، وهي أن الجباية ازدادت خلال «ولايته» بشكل سيذكره التاريخ السوري للأجيال القادمة حتماً.

طيب.. هذا «عمل» وزارة المالية، فماذا عن بقية الوزارات؟

ماذا عن وزارة الكهرباء، وفواتير الدورات الأخيرة الخيالية التي وصل بعضها إلى أكثر من مليون ليرة في القطاع المنزلي وليس التجاري أو الصناعي؟ وطبعاً لا داعي للحديث عن جودة منتج هذه الوزارة الذي هو الكهرباء التي نكاد ننساها، ولا عن عدالتها في توزيعها بين المناطق والبلدات والمحافظات.

ماذا عن وزارة الاتصالات، ورفع تعرفة الاتصالات الأرضية والخليوية وخدمة الانترنت ورسوم الاشتراك إلى ما يقارب الضعف؟ وطبعاً لا داعٍي للحديث عن جودة الانترنت وسرعته، وعن برنامج الفوترة والعناية بالزبائن، وعذابات موظفي الاتصالات والناس عند بداية كل دورة جديدة.

ماذا عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك؟ ماذا عن آلاف الضبوط الشهرية التي تدرج الوزارة أعدادها وأنواعها على حساباتها في مواقع التواصل؟ وطبعاً مجرد أن تكون الضبوط بالآلاف، فهذا يعطي فكرة وافية عن جودة عمل الوزارة.

ماذا عن وزارة الإدارة المحلية ومؤسساتها؟ ماذا عن المخالفات والرسوم بمختلف أنواعها التي وصلت إلى مئات الملايين في بعض الأماكن؟ وبالمقابل.. كيف وضع الشوارع ومخالفات البناء التي على ليست فقط «على عينك يا تاجر»، بل تفقأ عينه؟ وماذا عن مستوى الخدمات التي من المفترض أنها تقدمها للناس؟

نكتفي بهؤلاء أم نتابع؟

حاولنا الاختصار قدر الإمكان، لأننا لو أردنا الحديث عن وزارة المالية فقط لملأنا كل صفحات العدد بما فرضته على السوريين، وما الثمن الذي سيدفعه البلد بأكمله بعد سنوات قليلة وربما سنة واحدة؟ وكم عدد الشركات والأعمال التي ستبقى قيد الإنتاج أو في البلد بعد مضاعفة الضرائب أضعافاً كثيرة.

السؤال الكبير هو: أين هذه الأموال؟ ربما يعتقد أحد أن الجواب سهل، وهو أن لدى الدولة آلاف الأبواب التي تنفق فيها المال، وهذا جواب صحيح، لكن، مع مضاعفة الجباية أضعافاً كثيرة، ورفع أسعار كل شيء تقريباً، ألا يجب أن تتحسن الأجور والخدمات والشوارع ووسائل النقل وسلك التعليم وكل شيء كان يُنفق عليه سابقاً بمبلغ معين واليوم ازداد هذا المبلغ أضعافاً؟

هل لمس سوري واحد هذا التغيير؟

عندما بدأت هيكلة إعادة الدعم، جميع الوزراء المعنيين بالموضوع رددوا الجملة ذاتها: (الوفر الناتج من إعادة الهيكلة سيذهب إلى باب رفع الأجور).

هل رُفعت الأجور؟ لا لم ترتفع، ورغم أنها لم ترتفع، ارتفعت الجباية أضعافاً، وأمر آخر عن الجباية، هو أن الكثير من الرسوم ارتفعت من دون إعلان، وفوجئ بها الناس عند الدفع، مثل الاتصالات وجمركة الموبايلات وغيرها.

أتساءل أحياناً: ماذا لو تم إلغاء قانون قيصر؟ أعتقد أن أسرّة العنايات المشددة في كل المشافي ستمتلئ بحالات الاحتشاء، وسيموت الكثير من التجار ومن مشغّليهم قهراً وغيظاً لأن نبع المليارات سيجف، مع أنه لا داعي لذلك أبداً، لأنه وبكل تأكيد ستبقى الأمور على ما هي عليه كما بقيت على ما هي عليه بعد مضاعفة الجباية.

يروى أن رجلاً كثرت ديونه، وصار يؤخر عودته إلى المنزل كثيراً كي لا يراه البقال واللحام وبائع الخضار ويطالبونه، فاقترح على زوجته الخطة التالية: لن أخرج من المنزل أبداً، وقولي لمن يسأل عني إنني سافرت إلى البرازيل للعمل.

نجحت الخطة وصدّق الناس، ومرة حين رأى لص زوجة المديون قد خرجت من المنزل، ظن أنه صار فارغاً، ودخل بطريقة ما لسرقته، وحين استيقظ الزوج بسبب صوت انكسار آنية اصطدم بها اللص من دون قصد، خرج من الغرفة فوجد اللص أمامه، فتركه وقال له: «أخ بس لو ماني بالبرازيل».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن