قضايا وآراء

مرة ثانية.. متى تغيرون طريقة تفكيركم؟

| د. بسام أبو عبد الله

كتبت في مقالي السابق تحت العنوان نفسه تجربة حدثت في المركز الثقافي بأبو رمانة ضمن إطار ندوة سياسية تحت عنوان «الحوار الوطني السوري» والتطورات السياسية، والحقيقة أنني عكست في ذلك المقال محتوى الحوار الذي دار حول ممارسات ميليشيات «قسد» في الجزيرة السورية، وانتقدت فيه طريقة تفكيرهم، وسلوكياتهم التي تدل على عقل مغلق غير منتج، يتناقض فيه القول مع الفعل، وكي أكون موضوعياً في هذا الجانب سأحاول أن أطرح أسئلة صعبة على أنفسنا كي لا يتهمنا البعض بأننا نطلب من الآخرين تغيير طريقة تفكيرهم، وننسى أنفسنا، وهنا سأُلقي بهذه الأسئلة للنقاش والحوار، محاولاً الإجابة عن بعضها وفقاً لوجهة نظري الشخصية التي تحمل الصواب والخطأ، لكن لابد من طرح هذه الأسئلة بوضوح كبير:

1- لفت نظري خبر نشرته الإذاعة النرويجية «NRK» نقلاً عن وزارة الخارجية النرويجية، يتحدث عن «محادثات سلام بين السوريين من النظام والمعارضة، والمجتمع المدني، عُقدت في ضواحي أوسلو، وهدف هذا الحوار بناء كفاءة السوريين، ومعرفتهم بتحقيق السلام المحلي».

هنا دعوني أطرح هذه الأسئلة:

أ- هل نحن فعلاً نظام، ومعارضة، ومجتمع مدني، ومن الذي قسم السوريين على هذا الأساس؟

ب- لننتبه أن الإعلام الغربي، ووزارات خارجية الغرب الجماعي تعمل صباح مساء لترسيخ مصطلح «الحرب الأهلية» في محاولة لتبرئة أنفسهم من دعم الإرهاب والحصار، والعقوبات الأحادية الجانب، والتدمير الممنهج للبنى التحتية.

ج- هل هناك صعوبات هائلة في إجراء هذا الحوار الوطني السوري في دمشق، أو أي مدينة سورية أخرى بدلاً من الذهاب إلى ضواحي أوسلو بغض النظر عن نيات المنظمين، والمشاركين! وخاصة أن الأحداث في العالم تثبت لنا في كل يوم أن الدول مهما أظهرت من نيات طيبة لها مصالح خفية غير معلنة، فكيف إذا كانت جزءاً من الغرب الجماعي الذي حاربنا لأكثر من عقد، وما يزال يحاصرنا في كل مكان.

هنا لست ضد استثمار أي نافذة دبلوماسية، ولكن أنا من الذين لا يثقون بالغرب ومقارباته، وتجربة روسيا وسورية وإيران وغيرها قد تكون نموذجاً صالحاً للدراسة، فالغرب الجماعي تبين أنه مجرد تابع صغير للولايات المتحدة الأميركية.

2- هل نحن بحاجة لتغيير طريقة تفكيرنا في العديد من القضايا، وما هو المطلوب هنا:

1- يعتقد البعض لدينا أنه بالإمكان مقاربة الأجيال الشابة بمقاييس الماضي، وهذا الأمر ليس ممكناً لأن جيل الشباب الحالي، والقادم يمتلك أدوات مختلفة عن أدوات جيلنا والجيل الأكبر، ومنها التكنولوجيا، ووسائل التواصل الاجتماعي، وثورة المعلومات بشكل عام، ولذلك فإن وعيه يتشكل بطريقة مختلفة وسريعة، ويتأثر بالمحيط العالمي، والدعاية الغربية، ولابد هنا من تغيير نمط تفكيرنا تجاه جيل الشباب، والانتقال من طرق الوعظ والتنظير إلى طرق الإقناع والممارسة وتقديم النموذج «القدوة».

2- اعتقدت بعض النُخب السورية التي درست في الغرب أن بالإمكان قص ولصق التجربة كما هي! وهذه مقاربة خاطئة تماماً، لأن الإبداع هو في الاستفادة من تجارب الآخرين بما فيها الغرب، وتأقلمها مع الظروف المحلية في كل المجالات، وتطويرها بشكل مستمر، ووضع معايير للقياس، والتقويم، ودراسة التغذية الراجعة لكل ذلك.

3- إن أحد تحديات جيل الشباب، والمجتمع بشكل عام هو غياب «النموذج القدوة»، وإذا كان مجتمعنا مليئاً بأمثال هؤلاء علينا أن نبرزهم، ونقدمهم، ونعمل على تكريمهم، والرفع من شأنهم، فالشباب سيسيرون خلف هذه النماذج من أجل قوة البلاد ومنعتها، والخطورة تكمن أن الفاسدين لا يتناسلون إلا بفاسدين مثلهم، وهؤلاء يطفون على السطح دائماً فيعلمون الجيل الصاعد قيماً سيئة ووضيعة، واستسهالاً في الحياة تجاه كل شيء، وهذه نقطة بحاجة للمعالجة.

4- الإصلاح والتطوير ليس عملاً نظرياً، ودراسات أكاديمية فقط، بل تخطيط، وتنفيذ على مراحل، وعمل مع الناس في كل مكان من خلال التدريب، والتأهيل، ورفع الكفاءة، ودراسة للنتائج، إضافة للمراجعة المستمرة، ودراسة الواقع، فالصينيون مثلاً قالوا إن الحقيقة هي ما يثبته الواقع، أي إن الحقيقة موجودة في الواقع، وليست متخيلة، أو افتراضية كما يحاول البعض أن يوهمنا أننا طوال عشر سنوات نخوض حرباً أهلية مثلاً!

5- يتحفنا البعض منذ سنوات بشعارات مثل «الحرية، الديمقراطية، حقوق الإنسان»، وممارساته في وادٍ آخر، وهنا سأطرح بعض الأسئلة:

– هل الحرية حق مطلق، أم إن القوانين تنظمها بطريقة متوازنة؟ وهل الحرية تعني الفوضى! أم إنها تقوى بقوة مؤسسات الدولة وسلطة القانون؟

– هل الديمقراطية هي أفضل نماذج الأنظمة السياسية، أم إنها أفضل الأسوأ؟ وأي شكل لها إذا تركت من دون توجيه وقيادة وإدارة، هكذا وفقاً لرغبات الناس، وميولهم! ثم هل الديمقراطية يمكن تطبيقها قبل نضوج ظروفها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتطور ثقافة الحوار في المجتمع؟ إن كل هذه الظروف والشروط تحتاج لزمن للنضوج، وتحتاج لحوارات مستمرة، وتتطلب عملاً صادقاً ومستمراً.

– هل حقوق الإنسان حاجة وطنية فعلاً، أم تحول الأمر لملف مسيس تستخدمه الدول الغربية لمهاجمة خصومها وأعدائها كما نرى؟! والحقيقة أنه ملف مهم بحاجة للعمل عليه وفقاً للقانون وسلطته، وليس وفقاً لمزاج الغرب، وشهادات حسن السلوك التي يمنحها لهذا الطرف أو ذاك.

هنا لابد من الموازنة بين الأمن والاستقرار، وبين حقوق الإنسان الأساسية، فالأمن والاستقرار تبقى لهما الأولوية بشرط ألا تستغل لخرق حقوق الإنسان.

كما ترون الأسئلة تبدأ ولا تنتهي، والإجابة عنها ستكون مختلفة، ومتعددة، ولكن دعوني أقدم بعض العناوين السريعة ضمن إطار رأي شخصي لا يلزم أحداً:

1- لا علاقة لما جرى في سورية بكل العناوين السابقة، فالحرب علينا التي شارك فيها سوريون للأسف، هدفها إنهاء وجود سورية كدولة وشعب وثقافة وتنوع، وتحويلها لكانتونات متحاربة.

2- نحن بحاجة لتغيير طريقة تفكيرنا في مقاربة الكثير من القضايا: الديمقراطية وكيف نطورها؟ الحرية وكيف نفهمها؟ القانون وسلطته على الجميع، وتطويره، حقوق الإنسان، الفساد والمحاسبة… الخ.

3- لا أعتقد أن المعارضة السياسية هي حالة ضارة، بل مفيدة، ومحفزة للحزب الحاكم، ولكن بقدر ما هو مطلوب منه تطوير طرق تفكيره ومقارباته، وهو يعمل عليها وفق منهج علمي، فإنه مطلوب من المعارضة السياسية، الوطنية، العمل على البرامج الشاملة والواسعة، وليس الضيقة، والتعاطي بردود الفعل.

– هنا لابد أيضاً من تعريف المعارضة السياسية، هل هي تلك التي عملت، وتعمل بإمرة الخارج، أم تلك القوى الوطنية الناشطة داخل البلاد، والتي تبتعد عن الطموحات الفردية باتجاه الطموحات الوطنية؟ جوابي قطعاً هي الثانية.

4- إن تطوير طرق التفكير لدينا لا تمس أبداً التمسك بالثوابت الوطنية، أو وحدة البلاد، أو تماسك المجتمع، أو رفض التدخل في الشأن الداخلي الذي شرّعت أدوات سورية للخارج للأسف، وتحولت من خلال ذلك لمجرد أسماء في قوائم رواتب السفارات، وأجهزة الاستخبارات.

إن الجدل والنقاش مفتوح فيما طرحناه، لكن بالتأكيد ليس للجدل البيزنطي، وإنما لتوليد أفكار ومشروعات، ومخارج وطنية سورية بدلاً من أن تكون نرويجية، أو أميركية، أو غربية، وقناعتي أن العقل السوري قادر وفاعل، ومؤثر في هذا المجال.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن